الحُكم القضائي.. عنوان الحقيقة وليس الحقيقة الكاملة

 

ظافر بن عبدالله بن أحمد

dhafiralharthi@gmail.com

 

لا شك أنَّ ورقة الحكم القضائي هي النتيجة المنتظرة بعد كل المقدمات التي سبق وأن طبقها أطراف النزاع من إجراءات والتي بدأت مع تقييد الدعوى في أمانة سجل المحكمة وإعلانها، ثم تحديد جلسة لها وفتح باب الترافع فيها وغيرها من الإجراءات المتتالية التي تشكل سلسلة إجراءات التقاضي، وبغض النظر من نوع الحكم القضائي ومصدره ودرجته وقوته، تداول الوسط القانوني مقولة "الحكم عنوان الحقيقة" وبها إشارة إلى أنّ خلاصة  عملية التقاضي وحقيقة وقائع القضية تتمثل في صحيح الحكم، إلا أن هذه المقولة في جوهرها لا تعني أن الحكم  يطابق الحقيقة تمامًا؛ بل إنها تشكل جزءًا من الحقيقة (على اعتبار دورها في كشف الحقيقة)، إلا أنها ليست بالضرورة الحقيقة الكاملة.

لعلَّ أول ما يجدر الاستعانة به من حجج، هو موضوع قصة الرداء الأسود الذي يرتديه وكلاء الخصوم والمشتغلون بالقانون في أرض المحكمة، والتي تتلخص في أن القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي بالرغم من أنه يعلم مجريات الوقائع، بل يحكم بما أمامه من أوراق وطلبات وأدلة، فيجتهد ويتمحص ويدقق حتى يصل إلى الحقيقة بمساعدة معاونيه؛ ولأنه إنسان يخطئ أوجدت الأنظمة  القضائية وسائل يستطيع من خلالها الأفراد أن يطعنوا في الحكم بل وأن تراقب المحكمة الأعلى مدى صحة الإجراءات التي اتخذتها المحكمة لضمان سير مرفق القضاء بما يفترض وتأكيدها على هدف إرساء أسس العدالة والحكم بالقانون.

ونحن في إطار مناقشة موضوع كهذا، لا يفوتني التنويه والإشارة  إلى أن غرض المقالة ليس التشكيك في الأحكام ونزاهتها كما قد تستنتج بعض الأهواء ذلك، فالسلطة القضائية بصفة عامة جهاز مهم لا يمكننا أن نعيش دونه وللقاضي مكانة وفضيلة نحترمها، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر)، ومما لاشك فيه أن جهود هذا المرفق مقدرة ومشكورة؛ إلى أن تأتي هذه المقالة لتصويب فكرة دارجة تضيع بتناولها فرصا عديدة وتعمي بتداولها مبادئ مهمة.

فالأحكام القضائية أنواع تحوز بعضها قوة الأمر المقضي وحجيته كالأحكام النهائية والباتة، وتعطي الآخر المحكوم عليه فرصة للنظر في موضوعه مرة أخرى كحال الأحكام الإبتدائية، بل وإلى طرق الطعن المختلفة العادية والاستثنائية وتلك التي هدفها الالتماس وإعادة النظر وغيرها من الإجراءات التي تبين صحة الحكم أو بطلانه؛ كخلو ورقة الحكم من أسباب وحيثيات، أو مداولتها من قضاة لم يسمعوا مرافعة أطراف النزاع، ففي المقابل كل ذلك من باب الحرص على إرساء مفهوم الوعي الحقيقي الذي يساعد العدالة في تحقيق رسالتها وليس التضليل، فهناك فارق بين المتمسك بالغلط في القانون وبين المتجاهل للقانون.

ومن جانب آخر تعزز هذه المقالة فكرة الأمن القانوني التي تهتم باستقرار المراكز القانونية، وإشاعة الأمن والنظام وطمأنينة الإنسان، فمن المهم تعضيد فكرة الحق من خلال تسليح أهل الحق بالمعرفة والأدوات والآليات والإجراءات والمدد ليتمكنوا من مجابهة الفساد واقتضاء الحق بالقانون، وفي المقابل معرفة الحدود التي يتعين بها الوقوف وعدم التجاوز.

تعليق عبر الفيس بوك