إنهم لا يقرأون.. وهذه أم الكوارث!

خالد بن سعد الشنفري

 

اتردد أحياناً على مقهى في الخوض بجواره مكتبة لبيع الكتب، وكان يُسعدني ويبهج نفسي توافد أعداد من شبابنا وبالذات الشابات على المكتبة، وإن كانوا لا يقارنون البتة بعدد من يدخل المقهى، وكان زوار المكتبة هؤلاء يقضون وقتاً لا بأس به بين أرفف الكتب، وإن كان لا يُقارن بالوقت الذي يقضونه في المقهى بطبيعة الحال!

ويخرجون منها وكل منهم بيده كتاب أو عدة كتب، إضافة إلى توافد بعض ممن يُسمون بـ"موصلي الطلبات"، فقد يسرت هذه المكتبه العصرية الأمر على من يحب اقتناء كتاب، إذ ما عليه سوى الوصول إلى موقع المكتبة إلكترونيًا وانتقاء عنوان أي كتاب يرغب وكذلك عملية الدفع تتم إلكترونيا، ويصلك ما اخترت من كتب بكل يُسر وسرعة.

يا له من زمن سهُل فيه الحصول على الكتاب والقراءة عمومًا، مقارنة بما عاناه الأوائل من الكتابة والقراءة على أوراق الشجر وعلى العظام، ومع ذلك هم من كانوا السبب في ما وصلنا إليه من كل تطور، ونعجز اليوم عن مجاراتهم في غزارة الإنتاج الفكري، إلّا أنَّه ما زال هناك الشغوفون بالكتب وعناوينها وسيبقون أبد الدهر وإن كانوا يتزايدون بعصر مُعين وتقل أعدادهم فى عصر آخر، حسبما يكون عليه هذا العصر من رداءة أو ازدهار، فما أمتع من البحث على الكتب في أرففها لأنَّ "الكتاب يقرأ من عنوانه" كما يقال، ولما لرائحة الورق من عشق لا يفهمه إلا العاشقون للقراءة.

يا له من منظر يبهج النفس ويعطي شعورا بالأمل بأن شبابنا لازال فيهم من يقرأ وبالذات الشابات "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق".. منظر يطمئن ويبشر بجيل عماني قادم يقرأ بعناية، وأن القراءه ستصبح جزءًا أساسيًا من اهتمامهم في المستقبل القريب بإذن الله، وأن هؤلاء الشباب الذين يقضون وقتًا في اختيار الكتاب لا شك سيقضون أوقاتًا أكثر من يومهم في القراءة وسيكون أبناؤهم على شاكلتهم.

هذا مؤشر على أنَّ شباب عاصمتنا ما زالوا يقرأون، وأن هذه المدينة العامرة تضم حاليًا عددًا معقولًا من المكتبات العصرية، وصلت إلى المجمعات التجارية الكبرى، وأصبحت المكتبة بجوار محلات الإكسسوار والعطور والموضة، وفي أماكن التجمع والترفيه، وإن كنَّا نطمح بالمزيد وهذا للأسف الشديد نقيض ما عليه الحال في المحافظات الأخرى، وهو ما لمسته وسمعته من بعض الأصدقاء من بعض الولايات في المحافظات.

العقل كالمعدة يحتاج أيضًا إلى التغذية ولا غذاء له أفضل من القراءة وسيضمر لا شك ويتوقف نموه مثلما تضمر أعضاء أجسامنا لعدم تناول الطعام، وكما نقضي وقتا كل يوم في تناول وجبات الطعام لنحافظ على أجسادنا يفترض بنا أيضا أن نخصص نفس الوقت على الأقل لتنمية عقولنا بالقراءة وهذا أضعف الإيمان؛ فالعقل أهم جزء في الجسم، وقد ميزنا الخالق به كبشر عن بقية مخلوقاته، ولا يحفز هذا العقل على الإبداع والخلق مثل القراءة، عقولنا لها حق علينا، حق تنميتها؛ بل واختيار الأفضل لها مما نقرأ للتنمية كما نسعى جاهدين لتناول الطعام الذي يحتوى على أكبر نسبة من الفيتامينات الضرورية للجسم والمكملات الغذائية.

إن العقل أكبر نعم الله علينا كبشر وهو وراء كل ما وصل إليه الإنسان من تطور وحضارة ننعم بها اليوم، ولا غذاء لهذا العقل إلا عن طريق القراءة وقراءة مقررات دراسية بغرض الحصول على شهادة نحصل بها على وظيفة لا تكفي لتغذيته أما القراءة من خلال وسائل التواصل أصبحنا ندرك أن قراءتها ليست غير مفيدة فقط؛ بل قد تصبح ضارة وعامل تشتيت للمعلومات وليس تركيزها.

كان منذ السبعينيات في القرن الماضي، في صلالة مكتبة هي "مكتبة العائلة" واستمرت في عطائها لنا على مدى 30 عامًا وأكثر، وهذا دليل على أنَّ سوقها كان رائجًا لتستمر طول هذه المدة، وأنه كان هناك من يقرأ لأنها ربحية في النهاية، إلا أنني لم ألحظْ لها وجودًا منذ العقد الماضي، وحلت محلها المكتبات المُلحقة بمكتبة الأدوات القرطاسية، التي انتشرت وتعددت واهتمت بتنميقها وأصبحت مكتبة الكتب خدمة ملحقة بها، ولأجل تكملة لزوم تقديم خدمة القرطاسية فقط، مثلها مثل مكينة نسخ وتصوير الأوراق، وغيرها، وانزوت الكتب في هذه المكتبات الجديدة أما في البدروم في الدور السفلي أو ركن باهت مهمل.

إلى أين نحن سائرون؟!

سؤال أوجهه إلى أولياء أمور أبنائنا وطلابنا في مختلف المراحل، وإلى وزارة التربية والتعليم الموقرة، وإلى وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وأخيرا وليس آخرا إلى كل غيور على مستقبل الثقافة والوعي وتنمية الفكر.