فاطمة الحارثية
هل يسعى الإنسان نحو علاقات المصلحة، أم هي علاقات مُقدرة مسبقاً؟ بعيداً عن العاطفة، هل ثمَّة علاقات مُلزمة عمليا؟، أم نحن من نحول الوهم إلى إلزام؟ وننسج علاقات مشؤومة؛ قال من قال إنَّ الأقدار تتشابك، وأيضًا نتفق أننا جُبلنا على العيش في مُحيط اجتماعي، والكثير من البشر من حولنا بمختلف أجناسهم وألوانهم وفكرهم وطبائعهم، ولأننا نملك الخيار، لك أن تختار من الجموع من تصاحب ومن تعتزل، إذا نحن مخيرون!
المتعارف أن الباحث عن عمل قد يصل معه اليأس أن يقبل أي عرض قد يصل إليه، وهنا يكون قد أسقط عنه حق اختيار قائده، ربما الكثير من الموظفين إن لم يكن أغلبهم ينظرون إلى مسائل العمل أنها مجرد علاقات رسمية وتعليمات وتنفيذ، في المقابل نجد قلة هم من يُدركون البُعد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي لما يقومون به، ويتخذونه من خيارات، وتأثير تلك العلاقات سواء على صعيد النمو أو الإنتاج أو الإبداع، نحن لا نخرج من منازلنا إلى مقر العمل كل يوم من أجل تطبيق تعليمات ما، أو تنفيذ أوامر فقط بل من أجل نتائج تنفع الأمة والمجتمع وتأتي بعموم الخير، ومن لا يُدرك بُعد تأثيره، أو الأثر الذي يقوم به في الأعمال التي يقوم بها أو الأوامر أو الطلبات فهو في غياهب الجهل، وبعيدا كل البعد عن كينونة الوجود وجماليات الأثر والتأثير. الحياة ليست آلة ولا هي مُبرمجة آليا، ولن تكون جامدة بأي شكل، مهما حاول أيا كان أن يفرض عليها أنظمة دقيقة أو مناهج حاسمة، لأنها تنبض بالحياة، وجزء من التفاعل الآسر لجمال العيش ورغد المتعة، الغليظ الشديد ليس له مكان بين أروقة الحياة المليئة بالإنسانيات والمرونة.
مضت بنا الحياة وصنعت بصمات مختلفة عليّ وعليك، وجمعتنا بشخصيات مرحة وأخرى متزمتة، وأيضا شهدنا النفسيات الغلظة الفضة، وأخرى التي تصدر الأحكام وتصدق كل كلمة وليدة عقلها وخيالها، ودون استثناء الكل مُخيّر، وصاحب قرار سواء في أنفسهم أو أسرهم أو مجتمعهم أو بيئتهم، دون استثناء، ومنِّا من يتخذ ويختار من الناس مرجعا وملاذا للكلمة الطيبة أو النصيحة أو المشورة، فإن كنت مرنا ومرحا ومُحبا، ظهرت عليك سيمياء اللباقة وحُسن النقد البناء والتوجيه، وأنِس الناس مجالستك.
إننا في علاقاتنا نختار السلوك الذي نمارسه مع الآخرين، وتجاهل البعض الآخر، واغتيال مشاعر من لا سيمياء بيننا وبينه، بحجج تفتقر إلى المنطق، فنجد أن البعض يقف عند متغيرات المعاملات مثل المرونة الاستجابية في علاقاتنا مع من صادف وجودنا معهم، والمرونة الاستباقية مع من نسعى إلى توطيد العلاقة معهم. وقد يبلغ الحد عند بعضهم أن لا يزن قوله ويتجاوز اللباقة إلى الحدة في حواره مع من يرغب بتجاهله، إن الاختلاف ميزة إيجابية يستثمرها الحكيم ويستهين بها الجاهل، نملك المشاعر والقدرة على التأقلم، وكل شيء يحدث برغبتنا المطلقة، وقناع "كان غصبا عني أو حكم القوي" ليس إلا خداع للنفس والآخرين، لا مبرر لسوء السلوك بل هو خيار مطلق فلتسقط الأقنعة، ولنتعلم ترويض مشاعرنا بدل الكذب عليها، فالخير خيار وليس إكراه.
سمو...
عندما تدرك أن لا مفر من الحياة مع خوارزميات الاختلاف، استند على الثقة، والإيمان بأنَّ الحياة بمن فيها ومن عليها لن تخذل مؤمنا.
القدرة على إلهام أحدهم "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ"، وليست سرقة أفكار أو حلول وأيًضا ليست منًّا وأذى؛ فما حجتك إن منعت عن النَّاس فضل الله عليك يوم لا ينفع "إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".