هل العالم على مقربة من حرب عالمية ثالثة؟!

د. محمد بن عوض المشيخي

 

جحيم الحرب وأصداؤها المخيفة تهز المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، بعد بضعة أسابيع من قرع طبول الحرب من الدب الروسي الذي استهان بجارته أوكرانيا، هذا البلد الأوروبي المُسالم الصغير.

يحدث ذلك على الرغم من أنَّ دول العالم قاطبة ما زالت تعيش مأساة إنسانية تتمثل في جائحة كورونا وحصادها لملايين البشر عبر العالم منذ أكثر من عامين، وقد عطّل هذا الوباء عجلة الاقتصاد العالمي. فقد تجرأ القيصر الروسي ورمى خلفه بقانون الأمم المُتحدة والشرعية الدولية، وذلك باستباحة أراضي أوكرانيا وسيادتها منذ 2014، عند ما غزت القوات الروسية جزيرة القرم الاستراتيجية جنوب البلاد، وسيطرت عليها ثم ضمتها إلى الاتحاد الروسي، وبعد ذلك اتِّجهت شرق البلاد، وشجعت الانفصاليين ذوي الأصول الروسية على احتلال بعض المناطق في إقليم دونباس؛ وقد اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أربعة أيام كمُقدمة لهذه الحرب باستقلال (دونيتسك ولوجانسك) عن جمهورية أوكرانيا؛ واليوم تزحف الدبابات الروسية من كل الاتجاهات على العاصمة كييف التي يمكن أن تسقط في أي لحظة في أيدي المغامرين الروس ويسقط معها المربع الحكومي الذي يضم مباني الحكومة والبرلمان ومقر رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع في قلب كييف.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يُناشد العالم بصوت حزين ومُنكسر ومهزوم من هذا المربع ويقول لأصدقائه الأوروبيين والأمريكيين بأنها ربما المرة الأخيرة التي يمكن أن يسمعوا فيها صوته. صحيح هناك محاولات أمريكية بنقله إلى خارج العاصمة ولكنه رفض ذلك حسب التسريبات الإعلامية. فالهدف الروسي في الوقت الحالي هو استبدال الحكومة الشرعية، بأخرى موالية لروسيا خلال الساعات القادمة. يجب التوضيح هنا أنه لا تكافؤ في ميزان القوى بين الدولتين المتحاربتين، لا في عدد الجيوش ولا الأسلحة أو الطائرات والدبابات، فروسيا دولة كبرى تملك أضعاف مضاعفة ما تملكه جارتها الضعيفة في الموارد أوكرانيا، فهناك الثالوث النووي المتمثل في الصواريخ الاستراتيجية والقاذفات بعيدة المدى والغواصات النووية مما يجعل روسيا خصما صعبا حتى لأمريكا القطب العالمي الأوحد.

 لقد توقعنا هذا السيناريو الكارثي والمدمر، في مقال سابق نشرناه بتاريخ 25 يناير 2022 في هذه النافذة بعنوان "الحرب الباردة ومأزق الغرب في أوكرانيا". وبالفعل تخاذل الغرب عن الوقوف صفاً واحداً خلف حليفهم أوكرانيا الذي اختار الاتجاه غربًا بعد ما يعرف بثورة "البرتقال: التي تُطالب بالاستقلال والحرية والابتعاد عن النفوذ الروسي، فطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه العديد من دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وكذلك عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كلها لم يكتب لها النجاح وسط زعماء مُترددين وخائفين من حاكم الكرملين العنيد الذي قد يُفجر حرباً عالمية ثالثة في شرق أوروبا، مما يترتب على ذلك الخوف والهلع من وقوع الأسوأ في القارة العجوز التي تشهد أكبر أزمة في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها خمسين مليون شخص، فالزيارات المكوكية لقادة ألمانيا وفرنسا إلى موسكو؛ وكذلك الاجتماعات المتتالية بين الحلفاء الغربيين من بروكسل إلى واشنطن لم توقف زحف الجيوش وإنزال قوات النخبة الروسية في العديد من المدن الأوكرانية مثل كييف التي تشهد حاليًا معارك ضارية في ضواحيها وكذلك مدينتي تشرنوبل وميليتوبول وغيرهم من الجزر الاستراتيجية جنوب وشرق البلاد. لقد راهن الغرب على العقوبات الاقتصادية التي لا تخشاها روسيا ولا حتى تفكر فيها لكونها دولة عظمى تملك من الموارد ما يجعلها في اكتفاء ذاتي. وعلى الرغم من ذلك اختلف أعضاء الناتو في فرض ما يطلقون عليها عقوبات قاسية ورادعة على روسيا.

صحيح أنَّ ألمانيا رفضت بضغط من الرئيس الأمريكي بايدن التصديق على أنبوب الغاز الروسي الجديد "نورد ستريم 2" المتجه إلى غرب أوروبا وهو جاهز لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا وجيرانها من الدول الغربية. كما أن هناك معارضة من العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا والمجر لتنفيذ المقترح البريطاني الخاص بإخراج الاتحاد الروسي من نظام سويفت (Swift) العالمي والذي، إذا تم تطبيقه سوف يجعل المصارف والبنوك الروسية معزولة عن العالم ومصابة بالشلل، إذ أكد وزير الاقتصاد الفرنسي أنَّ فصل روسيا عن نظام سويفت هو أشبه بسلاح نووي مالي. كما أن الولايات المتحدة تعارض بشدة استبعاد النفط الروسي من الأسواق العالمية لكي لا ترتفع الأسعار بشكل جنوني يُؤثر بذلك على المستوردين للطاقة من الحلفاء الغربيين.

والسؤال المطروح الآن: هل هناك نذر بوقوع حرب عالمية ثالثة بسبب هذه الأزمة؟

لا شك أنَّ الأمن العالمي أصبح في خطر أكثر من أي وقت مضى، فوصول الجحافل الروسية إلى أوكرانيا كما هو الحال الآن، ثم التقدم نحو أوروبا الشرقية خاصة في اتجاه أعضاء حلف الناتو الذي أعلن لأول مرة في تاريخه تحريك القوة السريعة ونشرها على طول الحدود المواجهة لروسيا البيضاء وروسيا الاتحادية، إن وجود الجنود الروس والأمريكان وجها لوجه قد يُنذر بحرب عالمية مؤكدة، فالتاريخ يُعيد نفسه؛ إذ إنَّ المُعطيات والأسباب التي دفعت بالعالم إلى هاوية الحرب العالمية الثانية متوفرة، فالكل يتذكر غزو هتلر لبولندا، مما ترتب على ذلك اصطفاف فرنسا وبريطانيا مع ذلك البلد الذي كانت تربطه مُعاهدة دفاع مشتركة مع الدولتين في ذلك الوقت، والذي هو الآن أصبح أرض مواجهة جديدة بين روسيا وحلف الناتو، فرصاصة طائشة وغير محسوبة من أي طرف قد تتسبب بكارثة مدمرة للبشرية، فالكل يتذكر موقف الرئيس الأمريكي ويلسون الذي فضل الحياد عند اشتعال الحرب العالمية الأولى ولكن تدمير السفينة البريطانية من قبل ألمانيا والتي تحمل على ظهرها 128 أمريكياً والذين وصلوا إلى أمريكا في التوابيت قد جر واشنطن لدخول الحرب، بينما كان استهداف الياباني للأسطول البحري الأمريكي في بيرل هاربر هو الذي عجل بوقف الحياد الأمريكي وانخراطها في معارك الحرب العالمية الثانية.

هناك اعتقاد على نطاق واسع بين الخبراء الاستراتيجيين، بأن انتصار روسيا في هذه الحرب، سوف يُشجع الصين الشعبية على اجتياح جزيرة تايوان التي تخضع للحماية الأمريكية وفيها قواعد عسكرية للجيش الأمريكي، وإذا حصل ذلك فإنَّ العالم قد يدخل في منعطف جديد ومجهول لا تُحمد عقباه.

في الختام.. إنَّ العالم يشعر بقلق بالغ من حدوث مجاعة عالمية بسبب هذه الحرب، فروسيا وجارتها أوكرانيا تنتجان حوالي 35% من الإنتاج العالمي للحبوب، فمعظم الدول العربية تستورد غذاءها اليومي من هاتين الدولتين وعلى وجه الخصوص مصر ولبنان وسوريا. عليه يجب البحث عن البدائل والاعتماد على الإنتاج الداخلي لكل دولة عربية، وذلك لتحقيق الأمن الغذائي العربي.

أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري