الفاسدون تحت المجهر

سالم البادي (أبو معن)

من التحديات العالمية للدول والتي تشكل أخطر الظواهر هي ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وتعتبر هذه الظاهرة شديدة الانتشار والتفشي، وتأخذ إبعاداً إنسانية واقتصادية وسياسية واجتماعية. إذ تعاني معظم دول العالم من هذه الظاهرة وتحظى باهتمام بالغ من قبل الباحثين والإعلاميين والكتاب والصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني.

 إذ يعتبر هؤلاء الفاسدون هم عصاة لرب العالمين ولا يخافون الله تعالى فقد قال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة المائدة الآية33).

وهذه الآية الكريمة قد بينت خطورة مرتكبي جرائم الفساد بشتى أنواعه وأشكاله وشدد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وإن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.

ومن الجانب القانوني فهم مجرمون وفاسدون ومعطلون لحركة التنميه بالبلاد ويعيثون في الأرض فسادا، فيستحقون الردع والعقاب من الجهات المختصة.

وهذا ينطبق بلا شك أيضا على مصطلح "الفساد" في هذا العصر بمختلف أنواعه وأشكاله ومنها "إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب غير المشروع"

و"قبول الرشاوى" مقابل إجراء أو إنجاز معاملة أو تسهيلات لعقود أو مناقصات عامة، أو"استغلال الوظيفة العامة أو السلطة" بالمحسوبية أو المحاباة أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة العامة...إلخ.

لا شك أنَّ أي فساد في العالم يتفشى وينتشر فيكون سببه الأساسي من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بالموظف علاوة على اعتبارات الكفاءة والجدارة، فغرس المفاهيم الصحيحة والأساليب والسلوكيات والأخلاقيات في النشء منذ البداية له دور مهم جداً، وهذا الدور يتشارك فيه جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية، ابتداءً من الأسرة والمسجد والمجتمع والمدرسة والجامعة والمؤسسة كل في مجاله ودوره.

إن الفساد ليس مقتصرا على الأسباب التي ذكرت آنفا؛ بل إن هناك عوامل مختلفة تقف وراء شيوع هذه الظاهرة وتختلف في شدتها ودرجتها مع تنامي ظاهرة الفساد ومنها عدم وضوح أو تفعيل حقيقي لنظام سياسي بموجبه يتم فصل السلطات وتوجيهها للعمل بشكل أفضل حتى لا نرى غياباً لدور دولة المؤسسات السياسية والقانونية والتشريعية لأنه بغيابها تظهر شتى أنواع وأشكال الفساد ويحدث غياب للوازع الديني والحافز الذاتي لمحاربة الفساد.

هناك عامل آخر يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد متمثل بقلة (الوعي السياسي) وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة، وهو أمر يتعلق بعامل الخبرة والكفاءة لإدارة شؤون الدولة. يضاف إلى تلك العوامل والأسباب السياسية المتعلقة بظاهرة الفساد عوامل أخرى اقتصادية؛ منها: غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة، ذلك أن أغلب العمليات الاقتصادية هي عبارة عن صفقات تجارية خارجية ناتجة عن عمليات وساطة يحتل الفساد المالي فيها حيزاً واسعاً، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني، من جهة أخرى قضية الباحثين عن عمل تشكل عاملا مساعدا في تفشي ظاهرة الفساد.

وخلاصة القول.. إن مكافحة الفساد الإداري والمالي والسياسي والأخلاقي لا يمكن أن تتحقق من خلال حلول جزئية؛ بل ينبغي أن تكون شاملة تتناول جميع مرتكزات الخطة الوطنية لمعالجة ظاهرة الفساد بجوانبها المختلفة الإنسانية والصحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية والتعليمية والتربوية والرياضية والترفيهية والسياحية وغيرها.