"كاد المعلم أن يكون رسولًا"

 

د. حمد بن عبدالله البوسعيدي

hamed.albusidi2022@hotmail.com

 

تُعد مهنة التعليم من المهن المُقدسة، وهي مهنة الأنبياء والمرسلين قال تعالى "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (آل عمران: 164)، كما إن القارئ لسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجدها زاخرة بالأساليب التربوية والتعليمية الصالحة لكل زمان ومكان؛ فهو أفضل معلم عرفته البشرية على الإطلاق، أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد نظم قصيدة مشهورة تحتوي على قيم عُليا تحث على العلم والتعليم وترفع مكانة المعلم بين النَّاس قال في مطلعها:

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا       كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

وتأكيدا على أهمية مهنة التعليم تُخصص سلطنة عمان يوم الرابع والعشرين من شهر فبراير من كل عام للاحتفاء بيوم المعلم؛ تقديرا لدوره المحوري في العملية التعليمية، وتثميناً لجهوده التربوية وسعيه الدائم لتجويد المخرجات التعليمية وتنشئة أجيال المستقبل تنشئة سليمة، كما تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة(اليونسكو) بيوم المعلم العالمي في الخامس من أكتوبر من كل عام، وذلك لإحياء ذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية في عام 1966م والتي تتعلق بحقوق المُعلمين ومسؤولياتهم ومعايير إعدادهم وتدريبهم، والظروف التي ينبغي أن تتم فيها عمليتا التعليم والتعلم.

إن الاحتفال بمناسبة يوم المعلم هو عبارة عن وقفة إجلال واحترام ووفاء وإخلاص لجميع المعلمين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل إنارة عقول طلابهم بالعلم والمعرفة والقيم الفاضلة، وتسليط الضوء على عطاء المعلمين على امتداد مساحة هذا الوطن الغالي، وإبراز رسالتهم ومكانتهم السامية في بناء الإنسان وتعزيزا لدورهم الملموس في تأصيل القيم الإنسانية والتربوية والوطنية على مدار التاريخ العماني.

كما أن الاحتفال بيوم المعلم ُيلفت انتباهنا إلى أهمية مهنة التعليم وأن المعلم صاحب مهنة عظيمة لما يقوم به من دور بالغ الأهمية في توجيه العملية التعليمية لتحقيق أهدافها المرسومة؛ لهذا فإنَّ العناية والاهتمام باختياره وإعداده قبل الخدمة وتدريبه أثناء الخدمة يصبح من الأهمية بمكان ليستطيع تأدية رسالته التعليمية على الوجه الأكمل في ظل المستجدات التربوية الحديثة في القرن الحادي والعشرين، فالتغيرات والتطورات والأزمات الحاصلة في القرن الحادي والعشرين، ومن أبرزها التطورات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتغير المناخي، واندلاع الأزمات كالأزمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا كوفيد19، واتساع الفجوة الرقمية وغيرها فرضت على الحكومات وصناع السياسات التربوية إعادة التفكير بمختلف عناصر العملية التعليمية ومنها المعلم؛ لما له من دور فعَّال في رسم ملامح مستقبل التربية والتعليم، ويشير تقرير اللجنة الدولية لمستقبل التربية والتعليم الذي صدر في عام 2021 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" إلى ضرورة  تعزيز المهنية والاحتراف في مهنة التدريس، وتدريب المعلمين على إنتاج المعارف، وتمكينهم من القيام بأدوار رئيسية في التغيرات التعليمية والتحولات الاجتماعية، كما أشار التقرير إلى ضرورة أن يتسم عمل المعلمين بالتعاون والعمل الجماعي، وينبغي أن يصبح التفكير والبحث وإنتاج المعارف وإيجاد الممارسات التربوية الجديدة جزءًا لا يتجزأ من عملية التدريس، وهذا يتطلب تمتع المعلمين بالاستقلالية المهنية وبالحرية الأكاديمية مع تمكينهم من المشاركة في النقاشات والحوارات التي تتعلق بمستقبل التربية والتعليم.

وانسجامًا مع الاهتمام العالمي بالتعليم وإيمانا بأهميته فقد اعتبرته رؤية عمان 2040 من الأولويات الوطنية، كما اعتبرت تطوير النظام التعليمي بجميع مستوياته وتحسين مخرجاته أمرا ضروريا لبناء الإنسان العماني الواثق من هويته والمتمسك بقيمه الاجتماعية المبتكر والنشط اقتصاديا، وذلك من خلال رفع جودة التعليم المدرسي والعالي وتطوير البرامج والمناهج الدراسية وتطوير المؤسسات التعليمية والكوادر التعليمية ويعد المعلم أحد الكوادر البشرية والركائز الأساسية التي سعت الرؤية إلى تمكينها في قطاع التعليم، ويقوم المركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين التابع لوزارة التربية والتعليم بتنفيذ ذلك من خلال تقديمه لمجموعة من البرامج التخصصية تهدف إلى تزويد المُعلمين بمهارات القرن الحادي والعشرين من خلال التدريب أثناء الخدمة وتطوير مستواهم المعرفي والمهاري، وتدريبهم على الاستراتيجيات والأساليب الحديثة في التدريس، وإتاحة الفرصة لهم لتبادل الخبرات فيما بينهم، والمشاركة في الحوارات والنقاشات المتعلقة بتطوير العملية التعليمية، وتمكينهم من العمل ضمن فريق متكامل من المعلمين والمديرين في مدارسهم، وتوفير  الفرصة لهم  للمشاركة في البحوث الوطنية، إلى غير ذلك من مهام يؤديها هذا المركز للارتقاء بمستوى الكوادر الإدارية والتدريسية التي تعمل في مجال التعليم المدرسي.

إنَّ الحديث عن دور المعلم ومكانته وفضله لا يكفيه مقال قصير مثل هذا ولكن هي محاولة بسيطة لتسليط الضوء على بعض الجوانب الجديرة بالذكر في احتفالية كهذه وفي يوم مُشرق كهذا، فلكم منِّا أيها المعلمون الأجلاء عظيم الشكر وجزيل الثناء على تفانيكم في أداء واجباتكم المهنية، وإخلاصكم في حمل الأمانة وتأدية رسالة التعليم المقدسة، فكل عام وأنتم تنعمون بالصحة والعافية بمناسبة يوم المعلم، وكل عام وأنتم شموع مضيئة تنير دروب الأجيال القادمة بالعلم والمعرفة والقدوة الحسنة لما فيه خير هذا الوطن العزيز.

تعليق عبر الفيس بوك