وداعًا أبا ليث

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

 

ومضات مضيئة من حياة الراحل

رحل عن عالمنا قبل أسابيع الأديب والشاعر هلال بن مُحمد العامري الذي كانت له بصمات واضحة على الساحة الثقافية والفكرية والأدبية على مدى أكثر من 35 عامًا من خلال إسهاماته في المشاريع والفعاليات والمناشط واللجان الثقافية، فضلًا عن دوره في إصدار مجموعة من الأعمال أهمها "قطرة في زمن العطش" و"هودج الغربة" و"استراحة في زمن القلق" ووصلني خبر الوفاة وأنا في القاهرة فلم تكن ظروفي تسمح بكتابة هذه السطور إلا بعد العودة بأيام.

تقلّد أستاذنا هلال العامري مجموعة من المناصب؛ منها أنَّه كان مديرًا عامًا للتلفزيون، ونُقل بعد ذلك إلى وظيفة نائب أمين عام جامعة السلطان قابوس بدرجة "أستاذ مُشارك"، كما حدثني بذلك الأستاذ سالم بن ناصر المسكري أمين عام الجامعة آنذاك. ثم نقل إلى وزارة التراث القومي والثقافة (آنذاك) ليُعين مديرًا عامًا للثقافة ومشرفًا على المنتدى الأدبي إضافة إلى اختياره نائبًا لرئيس النادي الثقافي الذي الذي كان عضوًا في مجلس إدارته. ونُقل بعد ذلك وعُين مديرًا عامًا للأنشطة الثقافية بالهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية. وبعد إلغاء الهيئة ونقل بعض اختصاصاتها إلى وزارة التراث والثقافة عين مديرًا عامًا للآداب والفنون إلى أن أحيل إلى التقاعد قبل سنوات.

وطوال هذه السنين الطويلة التي تقلد فيها مناصب قيادية ذات طابع ثقافي كان أبو ليث شعلة من النشاط واضعاً بصماته ورؤيته الخاصة في كثير من المشاريع والفعاليات والأنشطة الثقافية بحكم أنه من الوسط الأدبي والثقافي.

وكأننا نرى فيه ذلك الرجل الذي انطبق عليه المثل القائل "اعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه"، غير أنَّ أديبنا خالف المثل قليلاً بحرصه ودقته وإخلاصه في عمله.

ينتمي أستاذنا الراحل إلى مدينة سمائل الفيحاء التي أخرجت مجموعة من العلماء والأدباء والشعراء كالشيخ الشاعر عبدالله بن علي الخليلي والشيخ سالم بن حمود السيابي والشيخ محمد بن راشد الخصيبي والشيخ حميد بن عبدالله الجامعي أبي سرور والشيخ الشاعر هلال بن سالم بن حمود السيابي والأستاذ الأديب سيف الرحبي والأستاذ الشاعر مرشد بن محمد الخصيبي وغيرهم.

لم أكن أعرف يومها أن أستاذنا الراحل من سمائل إلا عندما أبلغني الأخ الأديب يحيى اللزامي بوفاة والد أستاذنا قبل أكثر من 20 عامًا فذهبنا مع مجموعة من المُثقفين لتعزيته في ولاية سمائل.

وأستطيع القول إنَّ البداية الأولى للتعرف إلى أستاذنا الأديب الراحل كانت في أوائل عام 1987 عندما حصلتُ على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، وبدأتُ أتلمس طريقي للحصول على فرصة معيد في جامعة السلطان قابوس لمواصلة رحلتي العلمية والأكاديمية، فكان أستاذنا الراحل أحد المسؤولين الذين قابلتهم في ذلك الوقت.

وفي عام 1988 كنت ادرس دبلوم التربية في الجامعة الأردنية بعمّان وقدمت بحثًا بعنوان "النمو اللغوي عند الأطفال"، وأجريتُ عليه بعض التعديلات وتقدمت به لمسابقة المنتدى الأدبي التي حصل فيها هذا البحث على مركز متقدم.

كان أستاذنا الراحل يومها مشرفًا على المنتدى الأدبي فأعجب بالبحث ورشحه ليكون ورقة في ندوة "ثقافة الطفل العماني" التي أقامها النادي الثقافي عام 1989، وكان أستاذنا المرحوم الراحل نائبًا لرئيس النادي الثقافي.

وبعد عام أو عامين تم تعيين الشاعر والناقد الأردني الدكتور عبدالله الشحام خبيرًا تربويًا في وزارة التربية والتعليم، وعرف أنني أتعاطى الشعر وعندي اهتمامات أدبية فأخبرني بأنه التقى شاعرًا وأديبًا عمانيًا في بريطانيا التي كان يحضر الدكتوراه بها واسمه هلال العامري.

وبالفعل قمنا بزيارته في مكتبه بوزارة التراث القومي والثقافة التي كان قد نقل إليها منذ مدة قصيرة.

وأذكر أن الدكتور الشحام قام بكتابة مقدمة نقدية لأحد أعمال الراحل، وكتب مقدمة لديواني الأول "صوت الضمير" الذي صدر في عام 1993. وفي عام 1994 كلفني المرحوم الراحل بإعداد محاضرة عن السبلة العمانية لإلقائها في أحد الأندية الرياضية.

وتنقلت هذه المحاضرة في عدد من الأندية وطبعت في إصدار ضم مجموعة من الأبحاث عن السبلة العمانية تصدر بحثي هذا الإصدار الذي تبنته مكتبة الندوة ببهلا.

وأبلغني في تلك الأيام قبل أكثر من 20 عامًا الأخ الدكتور محمد اليحيائي أن أستاذنا الراحل متوعك صحياً فزرناه في منزله الذي يقع على يمين المرتفع المؤدي إلى النادي الثقافي بالقرم.

وكم كانت سعادته غامرة بتلك الزيارة التي كانت للاطمئنان على صحته رحمه الله.

وعملنا معاً في لجنة الإصدارات الشبابية التي شكلت بقرار من رئيس الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية، وكان رئيس هذه اللجنة الأستاذ علي بن محفوظ المنذري مستشار رئيس الهيئة وكان أستاذنا المرحوم نائباً لرئيس اللجنة وكان معنا بعض كبار المثقفين والأدباء الذين لا اتذكرهم على وجه التحديد. كانت المديرية التي يديرها الأستاذ المرحوم مسؤولة عن برنامج المحاضرات الرمضانية الذي استمر لعدة سنوات، وكان له رحمة الله عليه الفضل في ترشيحي لإلقاء عدة محاضرات في عدد من الأندية في هذا الشهر الفضيل.

شارك رحمة الله عليه مع الوفد الذي قامت به جمعية الكتاب والأدباء إلى مصر عام 2013.

وعند زيارتنا للإسكندرية سألناه أنا والحاج المرحوم رضا طايل سكرتير مكتبي ومدير النادي الثقافي الأسبق عن المكان الذي يفضله لشرب القهوة والاستراحة فطلب مكانا جميلا يقدم الشيشة ويطل على البحر فاخترنا له مقهى "سلطنة" فاستمتع بشرب الشيشة وقهوة "الإسبريسو دبل".

وتتزامن وفاة المرحوم مع قرب إقامة معرض مسقط الدولي للكتاب الذي كان الأستاذ المرحوم أحد أصحاب فكرة إقامته، وكان له دور بارز وكبير في الإشراف عليه على مدى سنوات من إقامته.

مُنح الأستاذ الأديب الشاعر عددًا من الأوسمة تقديرًا لجهوده وخدماته الجليلة في خدمة الوطن والثقافة. رحم الله الأديب الراحل واسكنه فسيح جناته.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك