علي بن مسعود المعشني
المُواطن اليوم بسلطنتنا الحبيبة تُحيط به ظروف معيشية صعبة للغاية لم يعهدها منذ عقود، والأدهى من ذلك جملة القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ عامين على وجه التحديد، والتي تزامنت مع الانخفاض الحاد لأسعار النَّفط عالميًا وجائحة كورونا وتداعياتها، والعجوزات والمديونية العالية التي تُعاني منها الدولة.
تفاءل المواطن بخطة التوازن المالي، وتفاءل أكثر حين علم أنَّها لن تمس مكتسباته ولا حياته المعيشية، ولن تضطر الحكومة إلى اللجوء للمؤسسات الدولية المعروفة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ لإعادة هيكلة اقتصادها وجدولة إنفاقها للخروج من هذه الأزمة، على اعتبار أن تلك المؤسسات مشرط جراحة للشعوب واقتصادات الدول، ولم ينجو أحد من قسوة شروطها وتدخلاتها. تفهم المواطن العُماني الظروف القهرية التي تمر بها البلاد كدولة ذات اقتصاد ريعي أحادي المصدر وهو النفط، وتغاضى عن المطالبات التنموية والمشروعات ذات الإنفاق العالي؛ بل وتقبل رفع أسعار المحروقات على مضض، على أمل أن تمر العاصفة وتعود الأمور إلى نصابها ويحظى بنصيبه الطبيعي من الحياة الكريمة.
توالت القرارات الحكومية تباعًا فأقلقت المواطن وأخلت بالسكينة العامة إلى حد كبير، بدءًا من قرار التقاعد غير المدروس والذي أفقد البلد- كدولة فتية- والمؤسسات قدرات وخبرات لا يُستهان بها، وعدم وجود حزم إسعاف وإنعاش اقتصادية من قبل الحكومة لمواجهة جائحة كورونا، رغم أن أغلبها كان يمكن أن تكون إجرائية لا تكلف الحكومة شيئًا؛ كتعطيل المطالبات المالية والتقاضي حتى زوال الجائحة وأعراضها، كقوة قاهرة في التعريف القانوني، فكانت النتائج الطبيعية تسريح عمالة وطنية وخسائر لا تُحصى للمؤسسات الكبرى والمتوسطة والصغيرة. ولم يستوعب المواطن صدمة هذا حتى أتت الفواتير والرسوم وضريبة القيمة المضافة لتقصم ما تبقى من ظهره وتقضم ما تبقى من مدخراته!!
كان المواطن في ظل الأزمة يتحدث بأمل عن تحسين ظروف معيشته وتشغيل أبنائه، وكان الموظف يطالب ويترقب ترقيته، فإذا بنا نرى تعاظم المشكلات وزيادة الاعباء النفسية والمالية للمجتمع بفئات المُسرَّحين والمتقاعدين وتخفيض العلاوات وزيادة أسعار الخدمات وارتفاع الرسوم!! جميع الإجراءات التي قامت بها الحكومة مؤخرًا وتحديدًا خلال العامين المنصرمين، تسببت في التضييق الشامل على حياة المواطن مباشرة، وكانت سببًا رئيسًا في انحسار القدرة الشرائية إلى حد كبير، وبالنتيجة تدني منسوب مؤشرات الاقتصاد، وإحجام بعض المستثمرين من الداخل والخارج خوفًا من المغامرة، وتوقعًا للمزيد من القرارات والإجراءات.
مشكلة المواطن والمقيم والمُستثمر معًا، تكمن في عدم فهمهم لهوية منظومة الاقتصاد بسلطنتنا الحبيبة، فهو تارة اقتصاد ليبرالي رأسمالي حر، سماته العرض والطلب والطرد والجذب، وتارة أخرى اقتصاد اشتراكي موجه بوجود الدعم وبشروط التعمين وغلو وتذبذب الرسوم والضرائب والتضييق على خيارات التاجر والمستثمر بشروط جنسيات العمالة ومهنها ونظام التأشيرات وشروط الإقامة!!
لن نخوض هنا في شروط منح الأراضي ولا ربط معاملات المواطن بفواتير الماء والكهرباء ولا ربط تخليص المعاملات بشرط صلاحيات الوثائق الرسمية والتي أضافت هواجس واستياءً كبيرًا لدى المواطنين، ولن نتنبأ بـ"القياس" عمَّا يمكن أن يأتي توقعًا على شاكلة كل ما سبق. ما نحتاج التذكير به في هذه العجالة هو أن السياسات في فلسفتها وأبجدياتها ترتكز على التوجه والحرص على شمولية النفع والخيرية لتشمل أوسع شريحة في المجتمع وليس العكس، وأن القاعدة القانونية تقول إنه في حضور القوة القاهرة مثل: الأنواء المناخية والجوائح والأوبئة، تسقط كل المطالبات ويُعطل التقاضي. من هنا، فقد كان حريا بالحكومة البحث عن علاجات ذكية وغير مُكلفة ماديًا، وذلك بتأجيل هذا وتوقيف العمل بذاك، ورفع الحظر هنا وتسهيل العمل هناك، إلى حين انفراج الأزمة؛ فتكون كسبت الحُسنيين معًا: المُجتمع برضاه وسكينته العامة، والاقتصاد بمُعافاته.
مشكلتنا المُركبة اليوم أن تغيير القوانين والإجراءلت لم يعد ممكنًا ويسيرًا؛ فالقوانين اليوم والإجراءات لم تعد ورقية وشفهية كالسابق بحيث لا تكلف سوى قرار أو توجيهات من مسؤول أعلى والسلام؛ بل أصبحت برامج تقنية يُكلف تصميمها عشرات الملايين وجيشا جرارا من الموظفين، وتكلفة إلغائها أو تعديلها تقدر بعشرات الملايين من الريالات، والاستغناء عن جيش جرار من الموظفين كذلك، وهنا موطن الداء!! فقد انتقلنا من عبودية الوظيفة إلى عبودية التقنية!
قبل اللقاء.. "قَطَعَ لسانه: أَسْكَتَه بإِحسانِه إِليه. وانْقَطَعَ لسانه: ذهبت سَلاطَتُه".
وبالشكر تدوم النعم.