عيون القلب

 

فاطمة هبيس الكثيرية

كثيرا ما تغنى الشعراء بجمال العيون سواء في العصر القديم أم الحديث، فيقول الشاعر بهاء الدين زهير في قصيدته لله غانية:

وَلِلعُيونِ رِسالاتٌ مُرَدَّدَة

تَدري القُلوبُ مَعانيها وَنُخفيها

وكذلك يقول الشاعر السوداني إدريس جمَّاع، عندما ذهبوا به إلى لندن للعلاج أعجب بعيون ممرضته وأطال النظر في عينيها فأخبرت مدير المستشفى بذلك فأمرها أن تلبس نظارة سوداء ففعلت وعندما جاءته نظر إليها جماع وأنشد

السيف في غمده لا تخشى بواتره // وسيف عينيك في الحالين بتَّار

وعندما ترجم لها بكت الممرضة، وصنف هذا البيت أبلغ بيت شعر في الغزل في العصر الحديث. رحم الله إدريس جماع وأسكنه فسيح جناته.

العيون لها لغة تختلف عن بقية اللغات فالعين تتكلم أحيانًا كثيرة دون أن يتفوه صاحبها بكلمة واحدة وقد يدرك مُعظم الناس هذه اللغة وقد يغيب عن البعض.

لكن هناك لغة أكثر عمقًا وأكثر إدراكاً وأكثر شفافية هل تعلمون ما هي؟ إنها عيون القلب، هل تعلمون أن للقلب عيون؟ وهل تعشقون تلك العيون أم تخشونها؟

يقول الشاعر والمسرحي الإنجليزي ويليام شكسبير: "لن تجد قدرك في حركات النجوم ولكن في داخلك"، نعم فللقلب عيون وعيونه أبصر من عيون الوجه وقد ذكر ذلك في كثير من الآيات القرآنية.

قال تعالى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور"، سورة الحج آية:46.

إن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى المُهْلِك هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار "قُلْ هذه سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ على بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" سورة يوسف آية 108.

من هنا يتضح لنا أنَّ للقلب عيون وهي عيون البصيرة التي يستشف منها حقيقة ما يدور حوله ويدرك خبايا الأمور فمن رزقه الله سبحانه البصيرة فقد فاز فوزا عظيما فهو يقرأ ما بين السطور ويدرك ما وراء الكلمات وما خلف المواقف ويتطلع إلى أبعاد الموضوع ويرى الصورة من كل الزوايا وليس من زاوية واحدة وهذا يساعده على الغوص في الأعماق وليس التطلع للقشور وبالتالي يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب بما يتناسب مع المعطيات الحقيقية وليس الجري خلف القطيع وهذا يؤدي إلى الحكم على الأمور بشكل صحيح وليس الحكم على المظاهر الخارجية أو ما يبدو واضحا لمن لا يملكون حكمة البصيرة التي أعمى الله قلوبهم فرؤيتهم للأمور رؤية ضبابية غير واضحة رغم أنهم يتمتعون بعيون مبصرة ولكن شتان بين الفريقين فمن يملكون عيوناً قلبية مبصرة ذات فطرة سليمة هم فقط من يتمتعون بنظرة ثاقبة متفحصة صافية لا تشوبها شائبة بعكس من أصابهم عمى القلوب الذين لا يعلمون أي درب يسلكون فكل الدروب أمامهم مظلمة لا نور فيها.

تعليق عبر الفيس بوك