نحتاج سيارة إسعاف.. لنقل أمي!

 

حمدان بن سعيد العلوي

 

لا تستغرب عزيزي القارئ إن تعذر عليك في يوم ما تلبية طلبك لسيارة إسعاف، نظرًا لما يتطلب عليك الحصول على موافقة سعادة الوكيل أو معالي الوزير!! هكذا طُلب منِّا حينما تعذَّر توفير تلك السيارة لنقل أمي من المستشفى بمحافظة البريمي إلى مستشفى توام بمدينة العين التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، لعلاجها بعد الحصول على موافقة المستشفى، وللحديث بقية.

أولًا: لا يسعني في هذا المقال إلا أن أتقدَّم بالشكر الجزيل لكل من سعى وسهَّل وحاول جاهدًا المساعدة، وكل من سأل وتواصل للاطمئنان على صحتها.

قصة أمي ومُعاناتها بدأت يوم الثاني عشر من يناير المنصرم حين دخلت العناية المركزة، لتجد الاهتمام من قبل الطاقم الطبي وكادر التمريض؛ حيث توقف قلبها لمرتين وأسعفت، بعد ذلك تدهورت حالتها الصحية واضطر الأطباء للجوء إلى التنفس الاصطناعي وبعدها إلى الفتحة الحنجرية.

نُقلت من العناية المركزة إلى قسم النساء، وبعد أيام حولت إلى قسم الرجال بداعي تحويل قسم النساء إلى قسم يعنى بمرضى (كوفيد19) ليُصبح الجناح مختلطًا رجالًا ونساءً. عانينا في بعض الأحيان من الدخول فبعض موظفي الأمن والسلامة يرفضون وجود رجل برفقة والدته، متناسين وجودها هي في وسط الرجال. نعم نقدر الظروف والضغط بسبب وباء كورونا ولكن أيضًا... للحديث بقية.

نتعرض للإحراج دائمًا، فإن كان برفقتها امرأة يُقابلها في السرير الآخر رجل، وإن كان برفقتها رجل نواجه استياء النساء الأخريات، ناهيك عن نظرات عدم الرضا من البعض، وهذا سبب من الأسباب التي دفعتنا للتَّحرك لنقلها لأحد المستشفيات المتخصصة.

كما إن قسم الرجال الذي أصبح مختلطًا لم أرَ سوى ممرضتين تشرفان على المرضى تتعرضان لصريخ من هذا و"شتيمة" من تلك، الكل يصرخ ويئن، وما بين المريضين سوى ستارة فاصلة، وحين نقوم بطلب الممرضة تتأخر كثيرًا، ولا لوم أو عتب عليها، فهناك ضغط كبير على كادر التمريض بالمستشفى، فكم ستُلبي من طلبات المرضى، وكم ستتحمل تلك الممرضة التي تسهر على صراخ وعدم رضا الجميع؟! والسبب النقص الكبير في الكادر التمريضي، فالقسم يحتاج إلى ما لا يقل عن 8 من الممرضين والممرضات لتوفير الخدمة العلاجية على أقل تقدير.

قابلنا إدارة المستشفى، طالبين الموافقة على نقلها بعد الحصول على الموافقة الخطية من مستشفى توام، الذي طلب في خطابه تحمل المستشفى الذي تتلقى فيه علاجها توصيل المريضة بسيارة الإسعاف؛ حيث كان رد المستشفى المعني بالرفض، لكن سيقوم بتوصيلها إلى المنفذ الحدودي ولن يدخل الحدود الإماراتية.

بعد إلحاحنا الشديد ومُوافقة مستشفى توام على توفير سيارة إسعاف من المنفذ، تعذَّر توفير طبيب مختص للمرافقة بسبب إصابة الدكتورة العمانية بفيروس كورونا، ولا يوجد إلا طبيب من الجنسية الهندية، حاولنا التنسيق من أجل عبور الحدود ولكن بلا فائدة.

قُمنا بالتواصل والاتصال بالوزارة ولكن لا أحد يرد، وبعد محاولات عديدة تمَّ الرد من قبل مكتب سعادة وكيلة وزارة الصحة للشؤون الإدارية والمالية والتخطيط، تحدثنا مع التنسيق والمتابعة ووعدت بعرض الأمر على سعادتها.

في اليوم التالي، تحدثوا معنا من مكتب سعادة وكيلة الوزارة بالاتصال، طالبين مخاطبة إدارة المستشفى، وبالفعل قمنا بطلب ذلك منهم، إلا أنهم أفادوا بأنَّ الإجراءات ليست كذلك، وعليكم التواصل مع سعادة وكيل الوزارة للشؤون الصحية، لأننا لا نأخذ التوجيه إلا من سعادة الوكيل فقط في ذات الأمر!! رغم أنني طلبت أن يتم تحويل طلبنا ولكن بلا فائدة حسب ما ذكرت لنا إدارة المستشفى؛ إذ إنَّ الإجراءات ليست كذلك. بالطبع هُم أعلم بالإجراءات المتبعة لديهم على الرغم من أنني أقوم في عملي بإجراءات مُشابهة، ولكن بطريقة مختلفة يحق لي فيها مخاطبة المعني سواء كان وكيلًا أو وزيرًا.

في الوقت ذاته، كنَّا قد تواصلنا مع المديرية العامة للخدمات الصحية، لكن أفاد الرد بأن الإجراء أيضًا كذلك والتنسيق من قبل ذوي المريض وليس من المديرية أو إدارة المستشفى، فيما قمنا بالتواصل مع مكتب المحافظ ورغم التنسيق والتواصل، إلا أن رد المكتب بعدم التوصل إلى حل.

وبعد غلق جميع الأبواب في وجوهنا والوصول إلى مرحلة اليأس والإحباط، قمنا بالتواصل مع أغلب من تربطنا بهم معرفة، وبعد الاتصال بمكتب سعادة وكيل الوزارة لم يتأخر الرد طويلًا؛ حيث تواصلت إدارة المستشفى طالبة منِّا كتابة رسالة نطلب فيها سيارة إسعاف لنقل والدتنا إلى مستشفى توام، وما هي إلا ساعات قليلة بعد التواصل مع بعض أصحاب السعادة والمشايخ والأعيان، تمَّ عرض الطلب على سعادة وكيل الوزارة لتزف لنا إدارة المستشفى بشرى الموافقة على نقلها بسيارة الإسعاف مع الطاقم الطبي مباشرة إلى طوارئ مستشفى توام بعد عناء طويل!!

هنا سأترك لكم المجال قليلاً للكتابة بين الأقواس (......)، ماذا تستنتجون؟ وأين الخلل؟ ولماذا يُطلب منِّا كل هذا؟ ولما هذه العراقيل؟!

لماذا لا يتم استثناء مُحافظة البريمي حالها كحال محافظة مسندم التي يُسمح لسيارة الإسعاف عبور المنافذ الحدودية لنقل المرضى العمانيين للعلاج في مثل هذه الحالات؟ لماذا يتطلب توفير سيارة إسعاف موافقة وكيل وزارة أو وزير؟!! ولماذا كل هذا الضجيج والأمر يتم حله "بشخطة قلم"؟ لماذا يُطلب من ذوي المريض التواصل مع وكيل وزارة، وبالإمكان قيام إدارة المستشفى أو المديرية العامة للخدمات الصحية بهذه المخاطبة؟ أليسوا هم الجهات الإدارية؟ لماذا ننتظر أن تسوء حالة المريض وربما يفقد حياته بسبب سير الإجراءات وتعقيدها؟ متى نتخلص من المركزية العمياء التي تجعلنا نتخلف عن سباق التقدم وسرعة الإنجاز؟ لماذا نُطيل الطريق والحل بأيدينا؟

ختامًا.. أتمنى وأرجو أن لا تتكرر هذه الحالة، وأن يتم إيجاد حل، مع إعطاء الصلاحيات للإدارات المحلية في المحافظات، وعدم تعقيد الإجراءات، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بحياة مواطن.

سلطنة عُمان أنقذت أرواح العديد من المصابين في الصراعات وفي عرض البحر، من غير العُمانيين، وهذا إن دل يدل على أن عُماننا بلد خير وكرم، وعلينا ألا نترك مجالًا للمقارنة بين تحريك طائرات وطاقم طبي إلى خارج البلاد لإنقاذ أرواح البشر، وبين توفير إسعاف للعبور بمريض يحتاج رعاية خاصة من مستشفى مختص لا يبعد أكثر من ربع ساعة.

أرجو من اللجنة الصحية بمحافظة البريمي دراسة الأمر والتواصل مع الجهات المعنية للحصول على حلول مستقبلية وأن لا تتكرر هذه المعاناة، فلربما مريض آخر يفقد حياته بسبب هذه التعقيدات. وأرجو أن يُعاد النظر في مستوى الخدمات الطبية، وتحديدًا الخدمات المساندة. وأرجو تغيير نظرة أن المسؤول هو السبب، فقد يكون المسؤول يحتاج إلى مناقشة وتبيان ومقترحات لحلول تختلف من محافظة إلى أخرى. وأرجو أن لا يساء فهم مقصدي، فالقصة أكتبها في هذا المقال للعبرة والتعلم من الأخطاء، والتفكير في كيفية تجاوز مثل هذه العقبات. وللحديث بقية!

تعليق عبر الفيس بوك