د. خالد بن علي الخوالدي
الحديث عن المتقاعدين من السلكين العسكري والمدني هو حديث عن فئة كافحت وعملت ما لا يتصوره أجيال اليوم، إننا نتحدث عمن أكمل أكثر من 30 عامًا من العطاء والجهد بحب وإخلاص وتفانٍ لعمان، خدموا البلاد شبرًا شبرًا، وقدموا لهذا الوطن الغالي والنفيس من عرقهم وجهدهم ودمائهم، لم يبخلوا على قومهم ومجتمعهم ووطنهم بكل ما يملكون، أفنوا زهرة شبابهم في إنشاء أجيال اليوم وتقديم الخدمات التنموية والخدمية لهم لينعموا بخيرات الوطن، لم يتركوا شاردة ولا ورادة إلا واهتموا بها، تعلمنا منهم ولسنوات عدة وستظل بصمتهم ظاهرة للجميع ولا أحد ينكر فضلهم.
فئات تقاعدت من طيب خاطرها بعد أن قضت سنوات في خدمة الوطن وكان هذا خيارهم، وفئات تم فرض التقاعد عليها فرضًا وهي لم تستعد له، ومهما كانت الحجة في فرض هذا التقاعد، إلا أنه كان يفترض مراعاة الجوانب الإنسانية ومراعاة وضع هؤلاء المتقاعدين من حيث الديون المالية المترتبة عليهم والالتزامات الأسرية المتزايدة يومًا بعد يوم وارتفاع الأسعار بشكل يلاحظه الجميع، فرواتبهم عندما كانوا على رأس عملهم غير كافية لسداد التزاماتهم، فكيف هي بعد التقاعد وقد استقطع من الراتب أكثر من 30%، إن الوضع المادي لهم صعب جدًا مع وجود الضرائب كالقيمة المضافة ورفع الدعم عن المُشتقات النفطية ورفع الدعم عن الكهرباء والماء وزيادة الرسوم في جوانب أخرى، ماذا عساهم أن يفعلوا؟ وكيف سيقدمون المعيشة الطيبة لأولادهم الذين كبروا وكبرت معهم المصاريف؟ هل ترضى الدولة أن يكون موظفها في الأمس متسولا عند المساجد وفي الطرق اليوم؟
لقد سُدت أمامهم الأبواب الوظيفية التي يُمكن أن يعملوا بها بعد التقاعد والتي يمكن أن تسد فجوة الراتب المقطوع نتيجة توجه الحكومة لتوظيف الباحثين عن عمل، وتمَّ إهمال طاقات تملك الخبرة والمعرفة والتجربة الحياتية فما عاد أحد يستقبلهم للاستفادة منهم، وخسرت الدولة بذلك فئة مهمة يمكن أن تبصِّر الشباب وتقودهم إلى النجاح، والأمر المنطقي أنَّ الدولة تعتمد عليهم ولا تفرط فيهم بسهولة فقد كلفوها مبالغ طائلة في تعلميهم وتدريبهم وتأهيلهم وإكسابهم معارف متراكمة لسنوات طويلة، ويعتبروا ثروة وطنية عظيمة مثلهم مثل أي ثروة موجودة في البلد.
إن على أصحاب القرار إعادة النظر في استغلال هذه الطاقات وعدم هدرها وقتلها والتخلص منها، وإذا لم يكن هناك مجال فعلى الدولة أن تكفل لهم الحياة الهانئة والسعيدة، فعلينا اليوم أن لا ننسى فضلهم ومعروفهم بعد أن أحيلوا للتقاعد وفتحوا الفرصة لأبنائهم ليكملوا المسيرة تحت القيادة الرشيدة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بل علينا أن نُكرمهم ونخصص لهم علاوة مالية سنوية تدخل في رواتبهم تعينهم على مجابهة الحياة الصعبة، وعلى الدولة أن تُشجِّع المتقاعد على استثمار طاقته وتجعله جزءا مهما في إطاره الاجتماعي ومستعدًا لتقلبات الحياة التي تمضي نحو الارتفاع الكبير في كل شيء، ولن يكون كذلك وهو يعيش على ذلك الراتب المقطوع أصلًا، وفكرة الزيادة السنوية بنسبة تقدر بـ5% من راتبه هي فرصة متاحة لتنقله من واقعه الذي رسم له في أذهان البعض بأنَّ التسمية كانت مقدرة له بأن يكون "مت" "قاعدًا"..
ودمتم ودامت عمان بخير.