الوعي الجمعي

 

فاطمة هبيس الكثيرية

 

يقول المتنبي:

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا // وعناهم في شأنه ما عنانا

لقد صدق المتنبي؛ فبلادنا تمر ببعض الأزمات مثل العالم أجمع كجائحة كورونا، وفقدنا الكثير من الأحبة وتدهور الاقتصاد لغلق المحال. وهناك أزمات أخرى لا تقل أهمية عن جائحة كورونا كمشكلة الباحثين عن عمل التي تؤرق الشباب ووزارة العمل؛ فالخريجون يطالبون بحقهم في وظيفة تليق بشهاداتهم العلمية بعد سهر الليالي لطلب العلم والحصول على الشهادة التي يعتبرونها سلاحهم ضد الجهل والفقر معًا.

ومن الملاحظ اتجاه الشباب مؤخرا نحو التجارة والأعمال الحرة سواء بشكل فردي أو بالمشاركة مع الأقارب أو الأصدقاء لكن سرعان ما يتذمر الشاب ويحبط لفشل مشروعه وعدم قدرته على الاستمرار.

ومن خلال هذه المعطيات الواضحة للعيان ندرك جميعاً أنه يوجد الكثير من الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة غير المرضية، وبالتالي إلى الإحباط والمزيد من خيبات الأمل، وتقف خلف ذلك أسباب:

  1. ثقافة المجتمع بشكل عام (شهادة فوظيفة) وبالتأكيد هذا حق الخريج الذي أصبح في سن الزواج ويسعى إلى تكملة نصف دينه والحصول على حياة كريمة.
  2. الوعي الجمعي فنحن كشعب متداخل بشكل كبير وعينا الجمعي يؤثر علينا بشكل سلبي أو إيجابي حسب استخدامنا وإدراكنا لهذا الوعي، فما ورثناه عن آبائنا أو أجدادنا يؤثر على معتقداتنا ويؤدي إلى وعي جمعي سلبي أحيانا أكثر منه إيجابي. وعندما تتمسك قرية مثلاً بفكر واحد وبموروثات قديمة عن الأجداد قد لا تتناسب مع وقتنا الحالي أو قد تكون غير صحيحة وغير مجدية. وهذا لا يجعلنا نتنصل عن عاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الثقافي الأصيل ولكن يجب أن يكون بوعي تام وتفكير سليم بما يخدم دولتنا ومجتمعنا ويتأقلم مع ظروفنا الحالية والتحديات المعاصرة التي نواجهها.
  3. التقليد الأعمى.. نعم؛ فالتقليد الأعمى أثبت فشله على مدى التاريخ والعصور، فمثلا عندما يبدأ أحدهم مشروعاً ما ويحقق أرباحا ونجاحا واضحا يبدأ معظم المحيطين بالتقليد الأعمى وهذا يؤدي إلى انهيار الجميع فركوب سفينة واحدة في بحر هائج محفوف بالمخاطر يؤدي إلى نتيجة حتمية ألا وهي غرق الجميع وفرصة النجاة قليلة.

وعندما يُؤمن أحدنا بفكرة مُعينة، فيصاب الجميع بنفس العدوى بمعنى إيمانهم بنفس الفكرة دون مراعاة الأسباب المؤدية للنجاح أو الفشل والظروف المحيطة وعدم دراسة الموضوع بشكل علمي والرؤية واضحة من كل الزوايا عندها هل لدينا الحق في مناقشة أسباب الفشل.

  1. التشاؤم الذي أصبح كشبح يكبر يوماً بعد يوم ويخيم على الكل شبابا وكبارا، وأيضا الأطفال فعندما يأمر الأهل أبناءهم بالاهتمام بدراستهم يرد الطفل بكل برود ولماذا أدرس وأخي الكبير درس وخلص والآن نائم أو يتسكع مع أصدقائه، وهنا نلاحظ خطورة الموقف فقد وصلنا لمنعطف خطير علينا تداركه قبل فوات الأوان.

من هنا علينا إدراك أن الوعي الجمعي شيء أساسي يجب أن ننتبه لخطورة سلبياته وإيجابياته جيداً. وهنا يجب أن تعد برامج توعوية وثقافية تقام للشباب سواء في الجامعات أو المدارس أو حتى أون لاين لتوعيتهم بأهمية التعليم وإعطائهم دافعا وتفاؤلا بأفضلية القادم، وتثقيفهم بأهمية العمل الحر بطريقة صحيحة ومدروسة ومنظمة بعيدا عن التقليد الذي لا يجدي نفعًا، وحثهم على إظهار إبداعاتهم بمشاريع تكون قادرة على الصمود أمام المنافسة والتحديات المعاصرة وإضافة لسوق العمل؛ لذلك نناشد الجهات المعنية الاهتمام بهذا الأمر.

دمتم ودامت عماننا الحبيبة وسلطاننا وحكومتنا الرشيدة في عز وازدهار.

تعليق عبر الفيس بوك