فاطمة الحارثية
تدعونا مقالات الفلاسفة إلى كره الخوف ونبذه، بل البعض يدفعنا إلى محاربته، رغم أن الجموع يجد في الخوف عذرا وملاذا، للكثير من التسويف والإرخاء والكسل، بل بلغ لدى البعض أن أصبح مصدرا من مصادر التقاعس، والتلذذ بالسهل المجاني، كان ومازال الخوف سلاح الإنسان منذ ولادته، فمن أجل الخوف، يُجاهد، يعبد، يسعى، يقتل، ينام، يسرق، يُحب، يضحك، يضعن، يستحوذ، و و... الكثير إن لم يكن كل شيء يحدث باسم الخوف.
لحظة.. إلى ماذا يدفعك خوفك؟ نحو الهاوية أم القمة؟ أتيت الدنيا وحيدا باكيا خائفا وسوف تغادرها وحيدا يُبكى عليك خائفا، فهل أنت من يحكم الخوف أم هو المسيطر؟
ربط الكثير من العلماء الخوف بالجهل، دعونا نسايرهم قليلا، ونأخذ كتابا ولنقرأه معا، أو ليكن المثال أقرب إلى الواقع، حيث كنا خلف طاولات الفصول، نتدارس الكتب ذاتها، ويلقننا إياها المدرس نفسه، فهل جميعنا حصدنا ذات النتائج؟ وتخرجنا بذات الفهم والاستيعاب؟ بكل تأكيد لا، عذر بعض العلماء، هو الاختلاف، بسبب وجود تفاوت وتباين في قدرات العقل في التخزين والاسترجاع، ولقد وضعوا معايير أيضا لعقولنا، طبعا حسب حدود عقولهم، هم من نصبوا انفسهم متفوقين على البشر، فغرورهم قادهم أن لا احد يستطيع أن يتجاوز معيار عقولهم، وتم تطويقنا في ذلك الحيز من الأرقام والجهل والتقييم. السؤال هنا: هل وُجدنا لنتنافس من أفضل أم لنكمل بعضنا، نحن من نقصنا إذا اجتمع اصبح وصنع الكمال.
الخوف من الخروج عن المألوف، طوق يضغط على رقابنا ويسلبنا التفكير، ويخنقنا، يصنع إبداعا معوقا، وفكرا قاصرا، لا يستطيع أن يعبر الجسور إلى الآخرين، وقولا ناقصا يُأخذ سلبا، ويمر على المتلقي بإرهاصات وضجيج السلبية، ليعم ويُطعمنا الفُرقة والشر وطعم الألم. نحن في زمن لا نستطيع أن نحكم فيه الخوف بالسلام، بل الثقة هي التي تضع الخوف في إطار الإدارة السليمة والسيطرة، الخوف دافع وليس عدوا، الخوف سلم وليس هاوية، ونحن من نحدد هوية الخوف ومقدار قوته علينا، قال من قال أن الجهل يصنع الخوف، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فكم مرة ارتجيت الجهل وسعيت له خوفا من ألم معرفة الحقيقة؟ وكم من علم رفضته خوفا مما هو بعده؟ "لا أريد أن أعرف" لا تنكر أنك كررتها مرارا في علاقاتك مع الآخرين، طمعا في ود يدوم وصدا لخوف كامن.
كم من معصية ارتُكِبت باسم الخوف؟ كم اقترفت من ذنب باسم الخوف؟ الخيانة باسم الخوف والولاء باسم الخوف، فيا أيها المسؤولين من بيدهم تكليف السلطة، لا أعتقد أن لك حاجة في ولاء باسم الخوف، أو حب باسم الخوف أو أداء تحت رسم الخوف، لأنه ضعيف زائل ليس فيه نجاح ولا ديمومة ولا ابتكار، وإن اعتبرته حلا فهو حل مؤقت. ويا أيها الوالدان، كم من قمع زرعته في أبنائك باسم الخوف؟، كم من عادات وتقاليد ابتكرتها باسم الخوف، كم أذنبت وخنت في أبنائك باسم الخوف عليهم أو لهم أو حتى منهم؟ الثقة هي المعادلة لنار الخوف، وليس بالضرورة الثقة بالآخرين، فالصواب ينبع من ذات ونفس الفرد، قبل التلقي أو مشاركة الغير.
سمو...
لا تنبذ الخوف، بل تسلح به، في عملك ومتعتك وكيمياء حياتك، الخوف من النار الخوف من غضب الله الخوف من الألم الخوف من الفقد الخوف من... يبقى الخوف خوفا وتبقى قوتك طوقا ومحبسا له.
من يُريد حبا خائفا جزعا وولاء من طاعون الخوف، ليس إلا متكبرا لا يؤمن بقوة الحساب.