ماذا فعلت بهذا العالم يا ريّان؟

 

منى بنت حمد البلوشية

مُؤلم جدًا ما حدث للطفل المغربي ريّان، الذي سقط في بئر عميقة ومكث بداخلها قرابة خمسة أيام، هذا الطفل الذي اجتمع العالم بدعوة واحدة لنجاته لعل القدر يمنحه حياة جديدة ليعود بعدها بأمل جديد ليجتمع مع إخوته  وليلعب مع رفاقه مثلما كان ويمرح معهم.

كانت أمه تنتظره بلهفة لتضمه تحت جناحيها لتدفئه من برد الشتاء الذي أصابه وهو في باطن الأرض وفي ظلمتها، وكأنه أول مولود تستقبله، لتحتضنه وتضمه ضمة لا ضمة بعدها.. كانت تكابد آلام المخاض وصرخات الأمهات بدعواتها.

تنتظره يخرج إليها لتقول له: يا بُنيّ لن أدعك تغادر عيني بعد اليوم، سأعوضك عمّا فاتك من تلك الليالي المظلمة..

بعدما ظهرت صورة أم ريّان على التلفاز وبرامج التواصل الاجتماعي وهي شديدة الصلابة وبكل قوة تمتلكها ويقينها التام بأنَّ الله سيعطيها ابنها وسيخرج للنور وعيناها شاخصة ودمعات عينيها الهادئة وقلبها المنفطر الذي يرتجف وينبض حبا وشوقًا لرؤيته وهي تتمتم يا رب ولك الأمر كله..

خرج ريّان وعيناه مغمضتان، وجسده ممزوج بتراب ذلك البئر الذي احتواه أيامًا..

كم تحشرج صوته وبُح، وكم تردد صدى صوته وبكاؤه وأنينه وكأنني أسمع صدى صوته مناديا: أمي أنقذيني.. أبي تعال إليّ فظلمة البئر تقتلني.

كانت صور إخوته وأصدقائه تحوم في مخيلته ولحظة خروجه تترآى أمام بصره أخرجوني أنقذوني..

رحلت يا ريّان وتركت أمك وأمهات العالم في آهات يذرفن الدموع، كم اجتمع العالم حول شاشات التلفاز تنتظر لحظة خروجك لتطلق صرخات الفرح ولتعلو الأصوات مهللين لخروج النور لك لتطير بجناحين ملؤها البشرى ولكن قضاء الله وقدره سبق كل شيء، فخرجت روحك محلقة بجناحي طائر ليدخل للجنة ولباب الريان الذي أنت له.

ريّان قصة خروجك وزفرات الموت التي أطلقتها لا تعلم ماذا فعلت بالعالم وبالأرواح البشرية قصتك لها مغزى وبها من العِبر والدروس التي لابد لنا جميعًا من الأخذ بها، إنك أعطيت العالم الوحدة وأن تكون على قلب واحد وكانوا مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، وسهر الجميع وأصيبوا بحمى خروجك وتناسوا ما ألمّ بالعالم أجمع وما أصيبوا به من صدمات وأمراض العصر والقلوب، فالجميع كأنهم كانوا معك في البئر وانتفض العالم من أجلك يا صغيري.. ريّان رغم تأخر الوصول لك وانفطار قلب أمك وأبيك عليك وخروجك الذي لم نكن نتمناه هكذا، أصبحت في ذلك الباب الذي هو لك الريان وطير من طيور الجنة وهنيئًا لك الجنة من غير حساب ولا سابق عذاب.هنيئاً لوالديك لكونك شفيعا لهما وهنيئا لمن سيعتبر من قصتك أنت التي أيقظت العالم وضمائرهم.. فكل ما حدث لك منذ بداية سقوطك وحتى خروجك ما هي إلا حكمة إلهية لنا لنتدبرها ونتعلم منها ما حدث، سقطت بضجيج العالم ورحلت بصمت وحزن عمها.

نمْ قريرَ العين يا صغيري.. فأنت عند قريب وأحن إليك منا جميعا؛ فالأرض أصرت على أن تأخذك، وكأنها تمهد لك وستكون بردًا وسلامًا عليك، فكل كلمات وألفاظ الوداع، مُرّة، والموت والفراق مُرّ.. رحمك الله يا ريان وجبر قلب والديك يا صغيري.

تعليق عبر الفيس بوك