فرصة تدبير الأزمة

 

البغدادي حسن **

 

تعد الأزمات من الأحداث المُهمة والمؤثرة في حياة الشعوب، إذ أصبحت جزءًا مرتبطًا ببيئة اليوم، كما شكلت وتشكل مصدر قلق للقادة والمسؤولين على حد سواء لصعوبة السيطرة عليها، بسبب التغيرات الحادة والمفاجئة في البيئة الداخلية والخارجية.  وليس من نافلة القول التنبيه إلى أنَّ من سنن الله في خلقه، تعرض الإنسان على صعيده الذاتي كدائرة ضيقة والمجتمع كدائرة أوسع لأزمات تتفاوت في طبيعتها وحدتها، ويتفاوت الأفراد والمجتمعات في إدارة هذه الأزمات والتغلب عليها.

ويُعد "مصطلح الأزمة" من المصطلحات الأكثر استخداماً في عصرنا الحالي الذي يُمكن وصفه بعصر الأزمات، فأزمات اليوم مسَّت كل جوانب الحياة وأضحت متواجدة على كافة الأصعدة والمستويات.

وبوجه عام واستناداً إلى الأدبيات فالأزمة تعني مجموعة من الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء، وهي النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة. وهي نتاج تفاعلات طبيعية، أو بسبب أخطاء بشرية أو سوء تقدير أو تراكم المشاكل.  وتمثل الأزمة موقفا شديد الخطورة والسرعة ذا أحداث متلاحقة تتميز بنقص المعلومات، اختلاط الأسباب بالنتائج وعدم التأكد والمستقبل الغامض. وبقدر ما تثير نوعاً من الذهول والارتباك والخوف تستقطب اهتمامًا كبيرا، فهي حالة غير طبيعية تهدد بسبب ظرف داخلي أو خارجي متوقع أو غير متوقع وعدم الاستعداد الكافي لتفادي الضرر. فهي تحول فجائي عن السلوك المعتاد يؤدي إلى خلل في المجتمع ما يمثل محنة ووقتا عصيبا غير مألوف وتضع صانعي القرار في محكّ حقيقي، يفرض استثمارا جيدا للوقت، وتوخّي النجاعة والمرونة في اعتماد الخيارات المطروحة في ظل ضيق الوقت المقترن بالتهديد وتفادي صناع القرار أن يصبحوا تحت سيطرة الآخرين من المتخصصين وغير المتخصصين.

ولعل جائحة كورونا وما تسببت فيه من حالة طوارئ صحية عالمية وأزمة اقتصادية لا تُضاهيها حجماً أي أزمة أخرى على مر التاريخ لخير دليل، ما أوجد الحكومات التي تواجه هذه التهديدات نفسها بمنطقة مجهولة، الأمر الذي يدفعنا للتسـاؤل حول تموقع استراتيجية إدارة الأزمات بأبعادها المختلفة أو ما يطلق عليه "الإدارة الأزموية" في منظومتنا التدبيرية.

إن نجاح تدبير الأزمة ليس مجرد حظ أو صدفة، واستخدام المنهج العلمي والمنطقي للتعامل معها أصبح ضرورة حتمية من أجل إيجاد أسلوب لإدارتها وإعطاء أهمية قصوى لتقنية تدبير الأزمات ضمن خطة استراتيجية وشمولية. فتقنية تدبير الأزمات أضحت علماً قائماً بذاته وأمرا حيويا في عالم اليوم الذي تعقدت فيه المخاطر، وما يحيط بذلك من انعكاسات سلبية محتملة على مختلف المؤسسات ومحيطها، فترسيخ ثقافة تدبير المخاطر والأزمات يشكّل منطلقا ضروريا وأساسيا للتّخفيف من حدّة الأخطار الناجمة عنهما وتوفير الأجواء النفسية الكفيلة بمواجهتها بقدر من الإتزان والنجاعة.

ورجوعا إلى مصطلح الأزمة فهو فضفاض يتسع للتعبير عن مدى واسع من المواقف والمشكلات ولكن المميز هو في أصل "كلمة الأزمة " المشتق من اليونانية (Krisis) والتي تعني لحظة القرار والجميل أيضًا في معناها  باللغة الصينية  المكون من حرفين يرمز الأول للخطر والآخر يرمز للفرصة، فلنجعل من الأزمة فرصة للتعلم وأخد العبر فعلى قدر الأزمات يأتي الفرج، والأزمات دائما ما تشكل نقاط تحول تاريخية حيث تكون الخيارات والقرارات الإنسانية قادرة على إحداث تغييرات أساسية وجوهرية في المُستقبل.   

كما سبقت الإشارة له من قبل، إن تقنية تدبير ومعالجة الأزمات في العقود الأخيرة تعتمد طرقاً فنية وتقنيات عالية الدقة والفاعلية، وأصبح لها قواعدها وضوابطها الخاصة. وهي في هذا الجانب "علم" يتوقف تطبيق قواعده بما يتلاءم والظروف الضاغطة والمتقلبة والمواقف المُفاجئة والمتسارعة التي يفرضها. ومن ناحية أخرى هي "فن" يتعلَّق بموهبة القيادة التي لا يُمكن أن تُكتسب بالمعرفة لوحدها، وإن كانت المعرفة تصقلها وتهذبها وتعمقها، ويتطلب بالتأكيد أساليب مبتكرة وسريعة. وإدارة الأزمة هي عملية إدارية مستمرة لمواجهة الحالات الطارئة والتخطيط للتعامل مع الحالات التي لا يُمكن تجنبها، أو إجراء التحضيرات الممكن التنبؤ بها.

الأكيد لكل أزمة خصوصياتها ولكن بشكل عام أكد كثير من الباحثين على جملة من المبادئ الأساسية لتدبيرها آخذين بعين الاعتبار بعض العوامل المؤثرة جدا، ونخص بالذكر- زيادة على المناخ الاقتصادي - البيئة الاجتماعية والثقافية لكون الأزمة تضع مجموعة من القيود والإكراهات، وبالتالي من الواجب أثناء إدارة الأزمة، إدراك الجوانب الاجتماعية والثقافية المرتبطة بها والتعامل الواعي معها، نظرًا للأهمية الثقافية في عمليات التأثير إذا تمَّ الحرص على احترام ثقافة المجتمع وأنساقـه القيمية. وتشمل كذلك هذه المبادئ الأساسية الإجراءات القانونية والبعد السياسي، هذا الأخير قد يشكل أحياناً قيدًا على قرارات فريق الأزمة، لأنه – لاعتبارات سياسية - قد تُفرض اختيارات معينة قد لا تكون بالضرورة أفضل الاختيارات، أما الإجراءات والمسارات القانونية التي يتعين أن يمر بها الأفراد من أجل الحصول على حق مُعين فمدى سهولتها أو تعقدها، تسهل أو تعقد الوصول إلى حلول الأزمة.

ونحن ما زلنا نتعايش مع أزمة وباء كورونا وجب التنويه بمقاربة مجموعة من الدول العربية لهذه الجائحة، مقاربة ذات بعد إنساني بالدرجة الأولى بالرغم من مجموعة من الإكراهات وهنا أخص بالذكر المملكة المغربية ودول الخليج. ففي المغرب كانت الاستباقية والإشراف الفعلي والتتبع اليومي لملك البلاد، الذي أمر بتكوين لجنة علمية وأمنية واقتصادية وكذلك إنشاء صندوق لتوزيع الدعم على الأشخاص المتضررين. كما برزت دبلوماسية صحية قادها عاهل البلاد بقوة مكنت من توفير اللقاح للجميع في المملكة، وإرسال معدات صحية وطبية إلى دول في القارة الأفريقية.

ونشيد أيضًا بنجاح حكومات دول مجلس التعاون الخليجي في السيطرة على تفشي المرض؛ حيث أظهرت معدلات تعافٍ أعلى بكثير من المتوسط العالمي. وهذا ناتج عن استراتيجية قائمة على الوقاية وتدابير الرقابة الصارمة المعتمدة والمنفذة بشكل فعَّال في وقت مبكرو توفير موارد مالية ومادية كبيرة.

ختامًا إن وظيفة إدارة الأزمات لا تقتصر على مقاربة الأزمات أو منع حدوثها، بل إن جزءًا كبيرًا من مهامها يفترض أن ينصبّ على الجانب الوقائي والتنبؤ، وما يرتبط بذلك من توفير قرارات جاهزة بصدد أزمات محتملة الوقوع في المستقبل ما يُقلل من تداعياتها، ويوفّر أجواء سليمة لاتخاذ قرارات صائبة تتحوّل معها هذه المحطات الصعبة إلى مناسبات لتحصين الذات، وفرص لتقييم ومراجعة الأوضاع والاستفادة من الأخطاء المرتكبة.

ولعلّ هذا ما يفرض إحداث منظومة عصرية لتدبير الأزمات والمخاطر، تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمعات والمجال الجغرافي، مع الانفتاح على تجارب دولية رائدة في هذا المجال، بصورة تدعم جهود صانعي القرارات في كسب رهانات التنمية. ومن الضروري أن تكون الاستجابات للأزمة على صعيد السياسات محسوبة بعناية، لتلبية الأولويات بدلاً من المفاضلة بين السياسات وتحقيق التوازن مع الاستعداد للتعافي المنصف الفعال والقادر على المجابهة غدًا كما أن الخطأ وارد وحتمي فجميع الحلول المتعلقة بالسياسات في الغالب باهظة الثمن، وتتسم بدرجة ما من عدم الكفاية.

** أكاديمي مغربي

تعليق عبر الفيس بوك