تقييم الأداء الوظيفي.. الدوافع والتحديات

 

 

محمد بن عيسى البلوشي *

تذهب نوايا العديد من المؤسسات ذات النفع العام أو الخاص إلى تطوير أدائها وإنتاجها السنوي، ليكون مواكباً لتطلعات الحكومة وأهداف القطاع الخاص وفقاً لرؤية عُمان 2040، ولن يتحقق لها ذلك إلا إذا عملت على قياس أدائها بشكل حقيقي وموزون، وأيضًا تقيس معها أداء مواردها البشرية الذي يعد المشغل الواقعي لتطوير الأداء العام بأساليب حديثة وممكنات فاعلة.

وتنبهت بعض المؤسسات مؤخرًا إلى أهمية تطوير فكرة التقييم السنوي لأداء منتسبيها، إضافة لأهمية وجود أهداف عامة وذكية تذهب الإدارات إلى تحقيقها وقياس فاعليتها وأثرها بشكل سنوي، تحقيقا للمصالح الاستراتيجية وتوزيع المنافع الوظيفية بشكل عادل ومحكم (الزيادة السنوية، المكافآت، الترقيات...وغيرها).

لا شك أنَّ هناك أدوات كثيرة يمكن للمؤسسات أن تذهب إلى تطبيقها لتقييم أداء موظفيها بشكل يُحقق تطلعاتها العامة، وواحدة من تلك الأدوات هو تقييم أداء الموظفين بطريقة التوزيع الإجباري، بحيث "يطلب من المشرف أن يقوم بتوزيع نتائج التقييم للموظفين على أسس التوزيع الطبيعي".

وتقوم فكرة تقييم أداء الموظفين وفق هذا المنحنى بأنْ يتم تقسيم النتائج على أداء 10% من الموظفين المتميزين/المجيدين في العمل، و20% بمن هم في مستوى جيد جدًا، و40% بمستوى جيد و20% بمستوى مرضٍ ويلبي طموحات الوظيفة، و10% بمستوى غير مرضٍ/ضعيف. وهذا أمر يستحسنه البعض في علم الموارد البشرية ويلجأون إليه كملاذ يؤمنهم من المخاطر التي يواجهونها.

وهنا سؤالنا لدراسة هذه الحالة، عن كيفية معالجة المخاطر الجمَّة التي تظهر جلياً للعيان في حال تقييم فريق قوي حقق أهداف الدائرة/الإدارة/المديرية/ القطاع/المؤسسة بمستوى عالٍ من الأداء والكفاءة، أو في المُقابل مع فريق ضعيف لم يحقق الأهداف الموضوعة السنوية، فكيف لنا أن نعالج الآثار الجانبية من تنفيذ هذا النوع من التقييم الذي يظلم فريق العمل المجيد/المجتهد من الموظفين في الحالة الأولى، وأيضاً سيظلم المؤسسة/الدولة في حال تنفيذها مع الفريق الضعيف الذي يعطي أرقامًا مشوهة وغير حقيقية، بل سيحمل الموازنات العامة حملا إضافيًا من خلال صرف العلاوات والمكافآت والامتيازات في "غير أهله"؟.. وبناء على نتائج المثالين السابقين تشير النتائج إلى وجود خلل واضح في أداء الموظفين بالمؤسسة التي تسعى بصدق وجد واجتهاد إلى تحسين أدائها وتنفيذ أفضل الممارسات الإدارية، فكيف يا ترى المخرج من مُعالجة التحديات المحتملة من تنفيذ هذا النوع من التقييم الوظيفي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال الاستراتيجي والمحوري، أحببت الإشارة إلى أن المعيار العام الذي تحققه المؤسسة سنوياً هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة العميقة، فإذا كانت المؤسسة قد حققت معيارها السنوي بكفاءة - فلنفرض هنا أنه محدد بالرقم 3 - فإنَّ النتائج العامة تشير أن جميع العمليات الإدارية/الفنية/التخصصية كانت تعمل بشكل مثالي ومتناغم مع الخطة الإستراتيجية الموضوعة للمؤسسة، وهذا ما يدعو مدرسة الموارد البشرية الحديثة إلى التأكيد على أن فريق العمل في تلك المؤسسة يتمتع بكفاءة (عالية/واعية/موضوعية) وقادرة على تحقيق الأهداف وبالتالي تكون النتائج المتوخاة لجميع الأنشطة/البرامج/الأهداف جيدة لأداء المهام وأن فريق العمل جميعه قادر على تحقيق أهدافه بنسبة (%40 فما فوق).

أما إذا كانت المؤسسة قد حققت درجة واحدة من أصل ثلاث درجات، فهذا يعني أن الفريق قد أخفق في أداء مهامه وواجباته على أكمل وجه وبالتالي على الإدارة أن تنظر في التقييم العام ويكون أقصى علامة ممنوحة لأفضل أداء الموظف هو (جيد 20% فما دون). أما في حال أن المؤسسة كانت قد حققت 2.5 من أصل 3 علامات سنوية، فهنا يمكن للمؤسسة أن تذهب إلى المشاريع/الخطط/الأهداف التي دعتها إلى فقد 0.5 درجة وتبحث في الأسباب الحقيقية لها وتحاسب الجهة المسؤولة وتتعامل معها بشكل حقيقي وواقعي دون إلحاق العقاب على الجميع أو التأثير على أدائهم الجيد.

أعتقد أن واحدة من الأدوات التي تمكن المؤسسة من الخروج من هذا التحدي الذي تقع فيه بسبب طريقة التوزيع الإجباري بتقييم أداء الموظفين وفق المنحنى الطبيعي، هو إضافة طريقة أخرى تساعد الدوائر/الإدارات/المديريات/القطاعات من قياس أداء الموظفين، وهي طريقة الإدارة بالأهداف التي تستخدم لقياس إدارة المديرين والموظفين وعليها تقوم المشاركة بين الرئيس والمرؤوس في وضع الأهداف.

وتتم هذه العملية السهلة جدا والفاعلة كثيرا بتحديد معايير التقييم (إنجاز الأهداف، السلوكيات الإدارية، الإجادة والتميز)، وأيضاً تحديد الوزن النسبي لكل معيار (على سبيل المثال معيار إنجاز الأهداف 50% والمعايير السلوكية 40% ومعايير الإجادة والتميز 10%، بحيث تختلف هذه الأوزان حسب طبيعة الوظائف، على أن تحدد الأهداف المرحلية (واضحة/واقعية /محددة/كمية) والوزن النسبي لكل هدف من ضمن النسبة المحددة لإنجاز الأهداف، وتحدد معها معايير لتقييم مدى فعالية ونجاح تحقيق الهدف وأيضاً مواعيد لاحقة لمراجعة مدى تحقيق الهدف، وقد يتطلب الأمر بناءً على ذلك إعادة النظر في الهدف، وتقييم النتائج وتقديم اقتراحات لتحسين الأداء في العمليات اللاحقة.

لا شك أنَّ إدارة الموارد البشرية من أصعب العلوم التي قد يتعلمها أو يمارسها الإداريون/القياديون، وذلك لما فيها من السلوك الإنساني وتشكل المعارف والخبرات الوظيفية والمنافسة العالية في سوق العمل من أثر بالغ في هذه الصناعة العالمية، وعلينا جميعاً أن نتطور من خلال معرفة السلوك الإنساني/الوظيفي الذي يدفع بالموظف لتحقيق أو عدم تحقيق أهداف مؤسسته، وهنا تكون المكافأة/المحاسبة مباشرة بين المؤسسة والموظف.

* خبير إعلامي ومحلل اقتصادي