أبناؤنا في مرحلة التعليم الجامعي

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

تأتي مرحلة التعليم الجامعي، تتويجًا لكفاح كل طالب شغوف، بذل جهدًا للوصول لهذه المرحلة. وهي تمثل حُلم كل طالب على مقاعد الدراسة النظامية، وتطلعات كل أُسرة، ترى في أبنائها مستقبلًا أجمل؛ للانطلاق منها لعالم العمل والإنتاج، وتحقيق الأحلام والتطلعات. ومع مستهل كل عام أكاديمي، أو فصل دراسي، تتنوع روافد الجامعات، من الفئات الطلابية، باختلاف بيئاتها الجغرافية، وتنشئتها الاجتماعية، لتشكل مزيجًا من الثقافات، والسلوكيات، والسمات التي تكّون المجتمع الجامعي، لتتداخل مع ثقافات متنوعة من منسوبي تلك الجامعات، على اختلاف الجنسيات والمرجعيات، ومع خليط من اللغات، والديانات.

يُقبل أبناؤنا على مرحلة التعليم العالي، محملّين بخيالات متباينة عن ذلك العالم الجديد، وقد يتعرض البعض منهم لخيبات أمل، أو صراعات داخلية؛ نتيجة التعارض بين ما كان متوقعًا، وما بين هو واقع معيش. بدءًا باختيار التخصص، أو تكوين العلاقات، أو إخفاقًا في الاندماج مع جماعات الرفاق.

كما يحدث في أحيانٍ كثيرة، ذوبان وانصهار البعض منهم مع أقرانهم، أو تتعارض قيمهم وأساليب تربيتهم، مع ما يفرضه عليهم الواقع الجامعي من تفاعلات. فإما يتمكن الطالب من التمسك بمبادئه التي تربى عليها، ويعيش في مرونة متكيفًا مع عالمه الجديد، وإما يفقد هويته، فينسلخ عن السمت الذي حمله عن والديه وذويه، ليسلك مسلكًا مغايرًا لا يمت لموروثات وعادات عائلته ومجتمعه بصلة.

وكثيرًا ما تحرص مُؤسسات التعليم العالي على توفير كافة سبل الحياة الجامعية للطالب، وبمواصفات ذات جودة عالية، كون الطالب يأتي في مقدمة المستفيدين من الخدمات الجامعية، ثم أولياء الأمور والمجتمع الخارجي بشكل عام. وفي ظل التأثيرات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، كانت هناك محدودية في فرص استفادة الطلبة من معطيات وإمكانات الجامعات، والتي بلا شك اختلفت عما كان عليه الحال في الظروف الطبيعية لما قبل الجائحة.

فعلى سبيل المثال، مابين دفعتين إلى ثلاث دفعات من طلبة التعليم العالي، جاءت متزامنة مع أزمة كوفيد19، والتي كان لها من الانعكاسات على قطاع التعليم، خاصة نوعية المخرجات، وما تمتلكه من قدرات وكفايات تؤهلهم للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي. ومع بدء الطلبة لتعليمهم الجامعي الافتراضي، وفي ظل غياب أو تقليص مساحات التفاعل الاجتماعي المباشر، التبادل الثقافي، العمل التطوعي، وغيره من مجالات تنمية ورعاية الطلبة. كانت المخاوف حاضرة، من حصيلة مخرجات تفتقر للمهارات الاجتماعية، كالاتصال والتواصل، الحوار والمناقشة،  التفاعل، والتكيف الاجتماعي.

وفي الختام: نهمس لأبنائنا الطلبة والطالبات في مرحلة التعليم الجامعي، أن يتحلوا بالصبر والعزم؛ للمضي قدمًا في تحقيق أهدافهم، وآمال أُسرهم فيهم، حيث تزداد طبيعة الدراسة تعقدًا وتخصصًا، ومتطلبًا، عما عهدوه في المراحل الدراسية الأولى. وأن يتهيأوا نفسيًّا للتباين البشري أساتذة، وزملاء من داخل الجامعة وخارجها. لذا، على الطالب توظيف ذكائه في كيفية التعامل مع كافة أنماط الشخصيات، والالتزام بحسن الخلق في التفاعل مع  تلك الأنماط؛ ليفرض عليهم احترامه، وتقدير شخصيته وأفكاره. وأن تكون مواقفه متزنة، وفق ثوابت راسخة، ومنطق حكيم، وعقلانية في الحوار.

كما ندعوهم إلى استثمار مرحلة الحياة الجامعية، والتي تُعدّ من أجمل مراحل حياة الإنسان، فهي مرحلة إثبات الذات، وتحقيق التميّز والنجاح. كما تساهم بشكل كبير في اتساع أفق الدارس، نضج تفكيره، نمو مهاراته، وبناء قدراته، بشكل أكبر عما كانت عليه في مرحلة مابعد الأساسي أو ما قبلها. حيث يمكن للطالب أن يلتحق بالبرامج والمناشط والفعاليات التي تقيمها الجامعات، سواء أكانت حضوريا أو افتراضيا؛ لاكتساب مهارة، أو تعلم لغة جديدة، أو تقوية مستوى على أيدي أساتذة، ومهرة متخصصين في شتى مجالات تنمية الشخصية وتكوينها، وفي مراكز جامعية تخصصية، تضم إمكانات وموارد للتعلم بالمعايشة بدرجة كبيرة، فضلًا عن برامج التدريب الميداني والتربية العملية.

وعلى أبنائنا الطلبة أيضاً، عدم الاكتفاء بالحفظ والاستظهار؛ لتحصيل تقدم معرفي فحسب، بل لابد من إيلاء الجانب المهاري والقيمي أولوية وأهمية بالغة؛ لتؤهلهم للانخراط في سوق العمل بجدارة، والمساهمة الفاعلة في تحقيق التنمية. ذلك أنّ اكتساب المهارات وبناء القدرات عملية تراكمية تكاملية، والطالب في هذه المرحلة مسؤول عن نفسه، لذا عليه تحمل هذه المسؤولية باقتدار تام؛ لتحقيق غاياته، وطموح عائلته، واستراتيجيات وطنه.

تعليق عبر الفيس بوك