بين الواقع والمأمول

 

ياسر بن سعيد الحنيني

 

الإنسان بطبيعته يحب التغيير للأفضل، والصراع مع النفس من أجل هذا التغيير سيظل مهيمناً على وجود هذا الإنسان وباعثه ودافعه من أجل أن يعمر هذه الأرض بأيِّ شكل من أشكال الحضارة التي تعود عليه بالنفع والخير. وهناك جوانب كثيرة يرغب الإنسان في تغييرها: سواء كان على مستوى سلوكه أو واقعه الذي يعيشه أو في التعليم أو الصحة أو حتى في شكل الحياة برمتها.

وبعض الناس يعتبرون التغيير أساسيًا في الحياة ولكن الطريقة التي يرغبون بإحداث التغيير فيها تتجه إلى التقليد دون وعي بالنتائج والتي قد لا تتلاءم  مع التغيير الحقيقي المنشود والبعض يهتم بالتغيير الشكلي الذي يقنع نفسه أنه اتجه إليه وهناك من يهتم بالتغيير الذي يقنع به الآخرين قناعة ليست له وإنما قناعة للغير وكأن هؤلاء هم من يمثلون أعلى قناعاته، وقد يكون هؤلاء في الأصل ليسوا قدوات تقتدى، ولذا نجد أن أغلب التغيير يكون في المظهر وليس في الجوهر الحقيقي الذي يخرجك من الواقع إلى المأمول من الظلام إلى النور.

أتطرق في هذا المقال لحالة واحدة نستشف منها حالات كثيرة وجوانب مختلفة للتغيير، ونحن نركز على حالة تعليم الأبناء مثلا -وذلك على عجالة- ثم نجعل المُتلقي لبيبًا فاهمًا لحالات كثيرة يبغي لنفسه التغيير المنشود فيها.

ففي حالة التعليم مثلًا، نجد الكثير من الآباء يهتمون كثيرا بأبنائهم في منصات التتويج التعليمي وفي نفس الوقت يبحثون عن الطرق السهلة والملتوية في بعض الأحيان حتى يحصل الأبناء على درجات مرتفعة، وأسهل طريقة هي بذل المال في سبيل ذلك كإنهاء مشاريعه في المكتبات مثلاً أو أن يدرسوهم الدروس الخاصة. وللمال عند الغني سطوات وسطوات غير ما قلنا، ومن الطرق أيضاً أن يقوم الأب بنفسه بدل أبنائه بحل الواجبات المنزلية، وعمل المشاريع التعليمية، وغيرها من الواجبات، وهذه الطرق جميعها قائمة لأهداف مؤقتة لا تبني شخصية ولا تؤسس فردا يستطيع قيادة مستقبله وإنما هو سعي مؤقت للتباهي والافتخار ليقال ابن فلان الأول أو حصل على درجة كذا  أو كان على منصة التتويج والحق فهذه أنانية مفرطة من الآباء وعبث كبير بنفوس الأبناء قد تؤثر سلباً في حياته ومستقبله.

لسنا ضد الاهتمام بالجوانب المالية والتي تركز على أهداف بعيدة المدى لها أثر إيجابي في تغيير السلوك والتي تعتمد على الجوهر وعلى العقل والتفكير والقيم والمهارات والتي بلا شك ستتضافر جميعها لتشكيل شخصية قوية قادرة على قيادة نفسها وقيادة الغير ولذلك وبعد هذا كله فأمر الشكليات المرغوبة ستأتي بنفسها منعكسة من تلك الروح الوثابة ومن تلك النفس التي قد تأثرت بذلك الغراس الواعي وتلك التربية الشاملة، والتخطيط مع المشاركة - ونقصد هنا مشاركة الأبناء بوعي- من أهم أولويات التغيير المأمولة وذلك من خلال الاهتمام بمهارات الأطفال وصقل مواهبهم من خلال وضع أوقات لتعليمهم المهارات الأساسية كالقيادة والتخطيط والاعتماد على النفس وغيرها من المهارات ويتم ذلك بمشاركتهم داخل المنزل وخارجه طرق الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية ورفع يد الحذر عن كاهلهم تدريجيا، وسطوة التدخل في شؤونهم بين الفينة والأخرى، كذلك تحفيزهم على القراءة والمحادثة والحوار والنقاش وحل المشكلات وكل هذا يحتاج من الآباء أن يعوا معنى مسؤولياتهم تجاه أبنائهم أولا، فيستقطعون الوقت الكافي لأبنائهم بشكل يومي فيتم توزيع المهام المناسبة وأعمارهم والبرامج المختلفة لتنمية مهاراتهم مع إشعال فتيل الحوار المستمر في كل القضايا التي تخصهم فيشعرون بمدى أهميتهم ودورهم الإيجابي داخل الأسرة وهذا سيكون له أثر إيجابي في السلوك والتعليم واستدامة السلوك على جميع الأصعدة: قيميا وتربويا وتعليميا وسلوكيا..إلخ

من خلال ما طُرح، نستطيع أن نستنتج أنَّ التركيز على الشكليات فقط دون الاهتمام بالجوهر ستكون نتائجه كارثية ومحزنة وليس هو لب التغيير الذي ننشده ونسعى إليه؛ فالأجهزة الرياضية مثلاً لا تصنع رياضياً ولا تعين على صحة دون أن نضع خطة لممارسة الرياضة فنحافظ على صحتنا ويعتدل من خلالها مظهرنا عناية بصحة الجسد ومظهره، ونعلم كذلك أنها وسيلة من ضمن الوسائل ليس إلا، ولا يعني أننا عندما نغير من مظهرنا العام دون الاهتمام بأخلاقنا وسلوكنا سيتغير شيء في طباعنا، والحياة تحتاج إلى تخطيط سليم وتنفيذ أمين سواء كان مع الأسرة أو المجتمع أو العمل أو أي جانب من جوانب الحياة الأخرى.

تعليق عبر الفيس بوك