التحديات الاقتصادية في 2022

علي الرئيسي

باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

كان الاقتصاد العالمي يُعاني من عدم التوازن قبل تفشي جائحة كورونا "كوفيد-19"، وعندما اجتاح العالم موجات هذه الجائحة مع بداية عام 2020، نشأ وضعٌ اقتصادي صعب، مما ضاعف من عدم المساواة بين الدول وفي داخل الدول نفسها، وكان ذلك واضحًا من حصول مواطني الدول الغنية على اللقاح المضاد للوباء أولًا، بينما ظلت نسب التطعيم في الدول النامية والفقيرة في مستويات متدنية، مما تسبب في انتشار أسرع وأكبر وظهور موجات جديدة من متحورات كوفيد-19.

ونحن في مستهل عام جديد يسوده عدم اليقين مرة أخرى، وخاصة في ظل انتشار موجات جديدة من المتحورات، ومع عودة قوية للتضخم، ونمو اقتصادي هش ومتفاوت، الى جانب انخفاض سعر الدولار، وتذبذب أسعار النفط، إضافة إلى الاضطرابات الجيواستراتيجية التي تواجه العالم، وخاصة في ظل الاستقطاب بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى.

أما بالنسبة للاقتصاد في سلطنة عُمان، ففي عام 2021، سجلت المؤشرات المالية تحسنًا ملحوظًا، بفضل الإجراءات الحكومية مثل رفع الرسوم والضرائب والتحسن في أسعار النفط. وحسب إحصائيات رسمية، فقد انخفض العجز في الموازنة العامة للدولة من 4.8 مليار ريال عماني في 2020 ليصل إلى 1.2 مليار ريال عماني في 2021؛ أي أن العجز الحكومي تراجع من 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 ليصل إلى 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021.

غير أن عدم اليقين حول نسب النمو في الاقتصاد العالمي، والذي سينعكس على أسعار النفط، تفرص تحديات ليست سهلة على الاقتصاد الوطني، ومن ضمن هذه التحديات: أن سياسات التقشف التي انتهجتها السلطنة والتي أدت إلى تحسن في المؤشرات المالية، تسببت في تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث إن النمو في عام 2021، لم يتجاوز نسبة 3%، ورغم أن الحكومة قامت بخفض بعض الرسوم، إلا أن الضرائب التي فُرضت في مرحلة كان الاقتصاد يمر خلالها بأزمة وكان الإغلاق يهيمن على معظم- إن لم يكن كل- الأنشطة الاقتصادية لفترات طويلة، ما تسبب في تدهور الوضع المالي لعدد كبير من المؤسسات التجارية وبالذات الصغيرة والمتوسطة، كما إن الرسوم المرتفعة على مأذونيات توظيف العمالة الوافدة، زاد من كُلف التشغيل، وخاصة في ظل شح للعمالة الوطنية الماهرة في بعض المهن، ويزعم الكثير من المراقبين أنَّ ذلك سيؤثر سلبًا على وتيرة التعافي الاقتصادي.

الزيادة المضطردة في أسعار السلع والخدمات ونسب التضخم؛ سواء كان راجعًا إلى مشاكل في اللوجستيات، أو يُعزى إلى السياسات النقدية والمالية التوسعية والتحفيزية في عدد من الدول، فإنِّه يفرض تحديًا حقيقيًا، خاصة وأن التضخم يلحق ضررًا كبيرًا بالفئات الفقيرة والمتوسطة؛ حيث ترتفع فاتورة الغذاء، وهي المكون الأهم في الإنفاق الأسري. كما إن التوقعات بضعف الدولار أمام العملات الأخرى، سيُضعف من القوة الشرائية للريال العماني والذي يعد تحديًا إضافيًا للسياسة النقدية الحالية.

ولذا نقول إن مراجعة شاملة لسياسات التوظيف والتعمين الحالية قد تكون ضرورية في ضوء متطلبات الاقتصاد ما بعد الجائحة؛ حيث يتطلب الأمر استحداث برامج لإعادة تأهيل القوى الوطنية العاملة، آخذة في الاعتبار رفع الإنتاجية والتعامل مع الاقتصاد الرقمي والمعرفي، كإدارة البيانات والعمل عن بعد والتشبيك وغيرها.

واستعادة النمو يتطلب وجود سياسات اقتصادية واضحة وشفّافة تركز على تنمية قطاعات اقتصادية ذات مردود اقتصادي عالٍ، مثل الاقتصاد المعرفي، والاقتصاد الأخضر واقتصاديات الطاقة البديلة. وهذه الاقتصادات توفر رواتب عالية نظرًا لإنتاجيتها المرتفعة، طبعًا لا يمكن تحقيق ذلك على المدى المتوسط والبعيد دون إعادة النظر في مناهج التعليم الحالية.

وأحد معوقات النهوض الاقتصادي يتمثل في الإجراءات الحكومية؛ وهي مسألة تم تداولها بشكل واسع؛ حيث إن تسهيل الإجراءات الحكومية وتيسيرها بات ضرورة ملحة، وذلك لتسهيل جلب الاستثمارات والعمل على تسهيل إنشاء الأعمال. كما إن شفافية القوانين وثباتها وتطبيقها دون استثناءات أمر لم يحتمل أي تأجيل أو إرجاء.

وفي الختام.. لابُد أن تُراعي السياسات الاقتصادية والمالية شمولية النمو "inclusiveness"، وأن تكون مظلات الأمان الاجتماعي أكثر شمولًا وكفاءةً. ولا يمكن تحقيق ذلك دون تطوير المشاركة الشعبية ومنح مجلس الشورى الصلاحيات المطلوبة في الجانب الرقابي والتشريعي، وربما العمل على إعادة صياغة طرق ووسائل الترشح والانتخاب؛ لتكون متواكبة مع تطور المجتمع، وتكون أكثر تمثيلًا للفئات الشابة والحديثة.