بوح

 

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

جلست على حافة الساقية تتأمل الماء وتصغي لإيقاع  نغم  السواقي، تدلّت رجليها فوق الماء، تحركهما تارة وتغمرهما في الماء تارة أخرى، مسندة راحتيها على الأرض خلفها، أسرها عزف الماء، أخذت تكتب بإبهام قدمها عبارات على صفحة الماء، شعرت بأحد يجلس إلى جانبها قائلاً: ماذا تفعلين؟ نظرت إليه قائلة: أنا أكتب.

  • هههه تكتبين!
  • نعم، أكتب الفرار فوق الماء.

إلى أين؟

حلّق الوطن الكبير، كمركبة فضائية انطلقت تائهة في مدارات الزمن؛ فدبَّ الذعر في قلوب ركابها، الأمر الذي جعل قائدها، يتمتم بصوته المُتهالك بقصيدة لمحمود درويش.

أسبرين

وقفت حبّة الأسبرين مُمتعضة ساخطة، تُحدّث نفسها: ما بال راضي هجرني ولم يعد يعيرني اهتماما؟ أتراه اعتاد على آلامه أم أنه وجد عقارا أفضل، أم أَنَّ في الأمر إِنَّ أكبر؟!

وأدُ الأمل

هام العام على وجهه، كعنوان تاه عن المكان، أو كليل لائل يلتحف الشتاء، متواريًا بين الزمان، تاركا وراءه أذيالاً من الخيبة وألواناً باهتة، وشعاع أعرج لم يصل! وهربَ هروب مجرم وائد  للأمل في عيون الرجاء.

أنا تعبان!

دخل وأغلق الباب خلفه، هدأ ضجيج الأطفال وتسمّر كلّ منهم في مكانه، لفّهُم جميعاً مع المكان بنظرة واحدة، قائلاً: "وين أمكم؟" ردَّ أكبرهم مطأطأ رأسه للأسفل " في المطبخ"

اتجه للمطبخ، عابسًا متذمرًا، " ميّت جوع، كلّ يوم كذا، متى ما تزوجت عليك بتعرفين أنّ الله حق!

ما كان منها إلاَّ أن أخذت قدرًا من الهواء العابر إلى رئتيها، وزفرت معه تراكمات قهر الأيام وقالت: ربع ساعة والغداء يجهز.  

  • "ربع ساعة! أنتِ ما رح تتغيري، لكن ما عليه أنا أستاهل"

دخل الغرفة واهتزّت رؤوس الأبناء من قوة إغلاقه الباب خلفه.

بعد عشر دقائق

  • "أحمد نادي أبوك يجي يتغدى"

ذهب الولد بخطى مضطربة متثاقلة، وفتح الباب وعيناه للأسفل: "بابا، قالت لك أمي تعال تغدّى"

  • "قُلّ لها أبوها بايجيها" ورمى بهاتفه وسحب الشرشف على وجهه ونام!

سؤال طفول

قالت طفول لأمها، كيف لي يا أمي أن أدلي برأيي، أمام مُعلمتي وأمام أبي دون خوف أو تردد؟ أشعر عندما أُسأل عن رأيي، أنني لا أصرّح بما في داخلي، وتخونني مفرداتي وتتعثر حروفي في مخارجي، وتصاب كلماتي  بفقد كبير وجرح عميق؛ ممّا يجعلني أخسر معركة الرأي!

الأم: إن كنتِ تشعرين بوجودك، فأنت لك رأيّ؛ وإلاَّ فلا.

تسأليني كيف! سأخبرك، من منطلق إدراكك لما يدور حولك ينبعث رأيك؛ فالحمارلا يُغرّد وليس له جناحان يفردهما محاولا التحليق، ولا يرفع رأسه نحو الأفق متأملًا السماء، هل فهمتِ؟

طفول: فهمت يا أمي. شكرا لك.