رفقًا وزارة التعليم العالي!

 

خالد بن سعد الشنفري

بتاريخ 15 من نوفمبر المنصرم نشر لي مقال في جريدة الرؤية بعنوان "رفقًا وزارة العمل"، كان حول تحديد الوزارة للعاصمة مسقط مكاناً للاختبارات التحريرية والمقابلات الشخصية للباحثين الذين تم قبولهم لدخول المنافسة لشغل وظائف في محافظاتهم، وبدلًا من أن يكون مكان هذه الاختبارات والمقابلات في محافظاتهم، تقرر لها أن تكون بمسقط، وبدلًا من أن تكون في يوم واحد للاختبار التحريري والمقابلة الشخصية، حُدد لهما يومان مختلفان تفصل بينهما فترة زمنية، مما تسبب في المشقة على هؤلاء الباحثين ومضاعفة التكاليف وهذا هو الأهم.

هذه التكاليف التي في النهاية يتكبدها أولياء أمورهم وهي ليست بتكاليف قليلة، خاصة في هذا الوقت الذي نمر به، ويزيد الطين بلة إذا كان ولي الأمر- كحالتي- ممن لديهم 4 باحثين عن عمل ومتقاعد، قد أنهكته أكثر من 30 عامًا من العمل وأصبح يلازمه عدد من أمراض العصر وبلغ من العمر 60 عامًا، ومن يبلغ 60 عامًا فى هذا الزمن "لا أبًا لك يسأم" (فلا مقارنة بين 80 زهير ابن أبي سلمى في عصره وعصرنا هذا).

تلقيتُ الكثير من الاتصالات بعد نشر المقال، ممن عانوا ما عانيت وساءني ذلك كثيرًا، إلّا أنني تلقيتُ اتصالًا بعد ذلك أسعدني أكثر من سعادة الشيخ يوسف بن سالم المشيخي عضو مجلس الشورى عن ولاية رخيوت الذي شكرني أولاً على المقال وزفَّ لي خبرًا بأنه قد خرج للتو من مكتب سعادة وكيل وزارة العمل للعمل، وناقش معه موضوع مقالي كمواطن متضرر مثلي مثل غيري، ممن تقدموا إلى سعادته أو إلى زملائه من أصحاب السعادة ممثلي محافظة ظفار في مجلس الشورى لطلب متابعة هذا الموضوع المُقلق، وأن سعادة الوكيل قد طمنه أنهم في الوزارة لا يرضون بذلك لأبنائهم الباحثين، فإذا كانت الوظيفة في محافظة بعيدة نسبيًا عن العاصمة يجب أن تُجرى كل اختباراتها ومقابلاتها الشخصية في نفس المحافظة، وأنه يتم النظر حاليًا في هذا الأمر لتلافي ما حصل سهوا من قبل، ولن يتكرر ذلك بإذن الله مستقبلًا، وأن سعادته قد قرأ المقال وأهتم بما جاء فيه.

حمدتُ الله كثيرا أن وكيل وزارة قد لفت انتباهه مقال كاتب مثلي، وأيقنتُ أكثر أن علينا كمواطنين ألا نفقد الثقة في مسؤولينا، وعلينا بدلًا من التذمّر أن نذكِّر ونبلِّغ بكل الوسائل المتاحة، وأن لا نكتفي بمجرد النقد لأجل النقد أو الشهرة، وما أكثر هذه الوسائل المتاحة اليوم، ولدينا والحمد لله مساحة من الحرية؛ لذلك يحسدنا عليها الكثير، خاصة وأنها تجد آذانًا صاغية، فنحن في مرحلة يجب أن تتكاتف فيها كل الجهود؛ حيث كثرت القرارات والمعالجات في هذه المرحلة لمقابلة كثير من الحالات التي نمر بها في بلدنا، مما قد ينتج عنها ثغرات متوقعة، فلا نكتفي بالتذمر والنقد، فما أسهله، ولكن كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.

اليوم أتقدمُ بمناشدتي مرة أخرى، لكن إلى وزارة التعليم العالي، وكُلي أمل أن تلقى العناية والنظر فيها بعين الرأفة إلى طلابها عند توزيعهم على الجامعات، فهم وأولياء أمورهم الحلقة الأضعف أمام الجامعات والأولى بالحماية والرعاية.

وأقول الطلبة وأولياء أمورهم لأن أولياء الأمور هم من سيقع على عاتقهم دفع فاتورة كل ما يصرفه الطلاب من سكن وإعاشة ومواصلات لمدة أربع سنوات على الأقل حين يتم توجيههم للدراسة في جامعة غير الجامعة التي في محافظتهم.

قد يكون هذا المقال في غير وقته بعد دخولنا في العام الدراسي الحالي، وقد ذهبت الطيور بأرزاقها، إلا أن الاستجابة المشكورة والمثمنة من قبل وزارة العمل لمقالي السابق عززت لدي الأمل في الاهتمام بهذا الأمر لتلافي ما أمكن في الأعوام المقبلة. لا نحتاج إلى التذكير أن عواهن معظم أولياء الأمور في الجوانب المالية في هذه المرحلة لم تعد قادرة أن تنوء بهذه الأحمال، كما إن جامعاتنا الاهليه الثلاثة، صحار وظفار ونزوى وبقية الكليات جميعها فى نفس المستوى والتخصصات المتشابهة، إلا ما ندر تقريبًا، وقد نالت جميعها نصيب الأسد من الدعم السخي من الحكومة ويفترض أنها قد وقفت على أرجلها بثبات ولم تعد بحاجة لدعمها على حساب أبنائنا الطلبة.

كلنا ثقة في وزارة التعليم العالي ومركز القبول الموحد، إلا أننا نلاحظ أن أعدادا كبيرة من أبنائنا ومن مختلف المحافظات قد وجهوا للابتعاث إلى جامعات غير الجامعة أو الكلية الموجودة في محافظاتهم ودون أسباب جوهرية تستدعي ذلك، وكأن التوزيع يتم بناء على كوتة يهمها الجامعات لا الطلبة مهما عانوا وعانى أولياء أمورهم من ذلك.

ما المانع أن يوجه مركز القبول- وبقدر الإمكان- أن يكون ابتعاث كل طالب أولا إلى الجامعة التي تقع في محافظته؟ ونحد بذلك من تكليف الطالب مشقات لا تخفى على أحد؛ كالاغتراب والبعد عن الأهل ومشقة السفر والانتقال المتكرر، وأيضًا نهوِّن على ولي الأمر تكبد مصاريف كبيرة كان يمكن تجنبها؛ فمعظمهم لا قبل لهم بها في هذا الوقت.

لا نعرف السبب الكامن فى مثل هذا التوجه، فإذا افترضنا جدلا أن بعض هذه الجامعات لديها سعة استيعابية أكثر فى بعض التخصصات وهي تخصصات يزيد عليها الطلب، فلماذا لا يتم التنسيق مع الجامعات الأخرى لرفع طاقتها الاستيعابية؟ ألا تستاهل مصلحة أبنائنا الطلبة ذلك؟ أما إذا كان الهدف إيجاد مخرجات معينة تحتاج إليها البلد، فلا أقل من أن يكون ذلك بتنسيق كامل ومشترك بين وزارتي التعليم العالي والعمل مع الجامعات، على أن يترك للطالب في الأخير حرية التخصص لأنه هو من سيدرس في النهاية.

ما زال أبناؤنا ممن أنهوا التعليم العام فلذات أكبادنا الغضة وهم مستقبل البلد، وعلينا أن نزيل أي منغصات في طريقهم ليدخلوا عالمهم الجامعي بيسر ودون معوقات مادية أو نفسية كانت قبل دخولهم معترك الحياة.

وقد سرنى كثيرا مؤخرا قرار وزارة التعليم العالي بتحمل تكلفة المنحة الدراسية كاملة لعدد من أبنائنا ممن مستوى معدلهم كان أقل، وبعد أن كان تقرر لهم نصف المنحة الدراسية، فهو وإن كان قرارا متأخرًا؛ حيث حرم نتيجة لذلك كثير منهم من الالتحاق بكلياتهم لهذا الفصل وبالذات ممن وجهوا لكليات خارج محافظاتهم ولم يستطع أولياء أمورهم تحمل نصف مستحقات الرسوم الدراسية، إضافة للسكن والإعاشة والنقل، لكن نقول أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل، شكرا لوزارة التعليم على هذا القرار المفرح للجميع، وكلنا أمل أن نسمع المزيد.