نهر الخير

 

محمد بن سالم البطاشي

لا تزال بلادنا تحظى بنعم الله ورحمته وعنايته على مر الدهور والسنين وتعاقب الليل والنهار، فما أن يسد باب من تلك النعم حتى يفتح الله بمنته وفضله آفاقا أخرى أكبر وأرحب.

آخر هذه الآفاق افتتاح طريق الربع الخالي الرابط بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، بصورة مباشرة وبوابة السلطنة إلى دول الشام وتركيا ومصر، وبوابة المملكة العربية السعودية المباشرة إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وآسيا واليابان، وهو من المشاريع ذات النفع المتبادل بين الأشقاء والتي من شأنها زيادة أواصر التعاون والترابط بين الدول والشعوب، ومنافعها الاقتصادية المتعددة ليست بخافية على أحد. وتعقد على هذا الشريان الحيوي  الكثير من الآمال والطموحات التي تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين، ويخدم قطاعات كثيرة، اقتصادية واجتماعية، بما يعزز التنمية والتقدم لكلا البلدين، وما سيتولد عنه من مشاريع مشتركة وتسهيل حركة الأفراد والتجارة في كلا الاتجاهين.

إن الزيارات المتبادلة لقيادتي البلدين، وما نتج وسينتج عنها من مشاريع ومذكرات تفاهم تصب في خانة زيادة التعاون والاستثمار في شتى المجالات، ولا شك أن هذا التنسيق العالي بين القيادتين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية سيثمر قطوفا دانية ويانعة من المنافع والمصالح، التي ستسهم في دفع عجلة التنمية واستدامتها على طريق الازدهار الاقتصادي. وفي هذا الصدد، نذكر بمشروع إقامة منطقة صناعية حرة مشتركة على جانبي الحدود تستقطب رؤوس الأموال من كلا البلدين وبلدان شتى، لإقامة مشاريع تخدم الاقتصاد وتستغل الموارد المحلية المتنوعة في البلدين، وتعمل على إيجاد فرص وظيفية للشباب المتعطش إلى خدمة بلده، وتسخير طاقاته من أجل مجتمعه وتوفير مستقبل مستقر له ليعيش بكرامة في وطنه.

إن كلا البلدين لديه من الموارد والمميزات والفرص الاستثمارية الواعدة ما يوفر أرضية خصبة للمستثمرين العمانيين والسعوديين، والتي إذا استغلت استغلالا حسناً لفتحت أبوابا واسعة للرزق للشعبين الشقيقين، وحلقت بآفاق التعاون إلى مديات أرحب؛ حيث إن البلدين يتمتعان بموقع إستراتيجي يحسدان عليه، وهو محط أنظار العالم قاطبة، والمستثمرين وشركات الطيران والشحن والتصدير العالمية بصورة خاصة،  حيث تطل المملكة العربية السعودية على البحر الأحمر الذي يتحكم  في طرق التجارة بين الشرق والغرب، وتطل من جهة الشرق على الخليج العربي بما يمثله من أهمية جيواستراتيجية عالية، حيث تتدفق عبره أكثر من ثلث إمدادات الطاقة إلى شتى بقاع العالم، وبما تمثله المملكة من مكانة مقدسة في نفوس المسلمين، وحسبك أن تتوجه أفئدة مليار مسلم نحو تلك البقاع الطاهرة؛ حيث قبلتهم وبيت الله الحرام ومهبط الوحي وقبر الرسول المصطفى والصحابة البررة الكرام، وعلى أرضها دارت منازلات الإسلام الأولى والتي غيرت وجه الحضارة الإنسانية قاطبة، وأهدتها قبسًا من النور والهداية والرحمة واليقين، ونقلت البشرية مسافات فلكية إلى حيث أراد لها الله من النضج والرقي والتقدم في شتى ميادين العلوم والفنون والأخلاق العالية والرفق والفضائل المختلفة.

أما على الجانب العماني فحدث ولا حرج وعدد ما شئت وما استطعت من مناقب الموقع الجغرافي، فهو الجوهرة المتلألئة في تاج الخارطة العالمية، يغبطنا عليه القريب والبعيد، فبحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، تلتقي هنا في سلطنة الخير؛ حيث مضيق هرمز بوابة  العبور إلى كنوز منطقة الخليج ونفائسه، وتجارة النفط والغاز، ومحط أنظار القوى العالمية، وميدان تنافسها وساحة اختبار قدراتها ونفوذها، وإذا انتقلنا جنوبا نجد بحر العرب يفرد أشرعته على المحيط الهندي وأفريقيا وشرق آسيا والصين وحتى اليابان، وبهذا الموقع المتميز تلتقي طرق التجارة العالمية عندنا، وتلقي السفن العابرة للمحيطات بمراسيها في موانئ بحارنا الطامية مفرغة حمولاتها الثقيلة، ومتزودة بالمؤن والوقود، ومسترخية قليلا من عناء السفر ومتاعبه المتعددة، ومخاطر الأمواج والتيارات والرياح العاتية، هذا الموقع الفريد جعل عمان بوابة الخليج العربي إلى الشرق والغرب، وبوابة التجارة العالمية من وإلى الخليج العربي وأفريقيا وآسيا.

وتتعدد الموارد والمزايا التي يتمتع بها البلدان حتى لا تكاد تقع تحت حصر، وتعتبر الثروة البشرية أهمها وأغلاها، وتكشف التركيبة السكانية عن نسبة كبيرة من الفئة العمرية الشابة المتعلمة والطموحة، التي تعد قطب الرحى وسفينة النجاة لأي مجتمع يتطلع إلى البناء والتعمير، وهناك  الثروات النفطية والمعدنية والزراعية والسمكية الهائلة، وكذلك الطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية والتطوير العقاري والمشاريع السياحية، وتجارة وتخزين النفط، وغيرها الكثير مما لا تتسع له المساحة هنا، والتي من المؤمل الاستفادة منها بما يحقق القيمة المضافة لهذه القطاعات، ويرفع الفوائض التجارية، ويقضي على العجوزات المالية.

ويأتي توقيع مذكرات التفاهم بين الشركات المملوكة لجهاز الاستثمار العماني وعدد من الشركات السعودية بمثابة باكورة لعهد جديد من التعاون الثنائي يرتكز على تبادل المنافع عن طريق استغلال وتفعيل الثروات المتواجدة في الجانبين بطريقة مثلى، وستتلوها خطوات أكبر وأكثر طموحًا وأعم نفعًا. وبوجود هذا الشريان الحيوي الرابط بين البلدين، فإنَّ القطاع الخاص مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى استغلال هذه الفرص الاستثمارية الكثيرة والواعدة في ظل مناخ عالمي يظلله التفاؤل عقب بدء انحسار الضائقة  الصحية العالمية التي جثمت على أنفاس الاقتصاد العالمي لفترة طويلة.