الغزو الفكري الثقافي

 

سالم البادي

الفجوة حيث الهيمنة الحضارية الحديثة بشتى أنواعها والواقعة في مُسميات العالم الثالث ضمن مخطط مؤامراتي عالمي، ويُعد الغزو الفكري الثقافي من أخطر التحديات على مر التاريخ؛ حيث الانعكاسات والتداعيات السابقة الصادرة عنه أعمق من كل أنواع الغزو الأخرى التي يحدث فيها مقاومة كردة فعل لإنهائها كالغزو العسكري على سبيل المثال أو كالغزو الاقتصادي أو الغزو الاستيطاني فجميعها تواجه مقاومة كردة فعل.

أما الغزو الفكري الثقافي فيتسلل ويدخل ضمن عملية احتواء بلا مقاومة فالعدو أو سلاح الغزو ليس مادياً أو غير مباشر وغير ظاهر للمقاومة فهو يقع ضمن خطاب أو كلمة أو فكرة.

إن الغزو الفكري والثقافي سلاح فتاك وأداة قابلة على إذابة الشعوب واختزالها ضمن مستنقع مسيطر عليه فيصبح مسلوب الشخصية والإرادة، وهو الضربة الأشد والأشرس والتي تحمل في أبعادها السياسة والاقتصاد والثقافة لتصل إلى مبتغى خطير وهو الوصول إلى الحد الأعظم لأي أمة وهو "الدين" والتطاول عليه؛ لذلك الغزو الفكري والثقافي يعتبر تحديا كبيرا لابُد من مواجهته ومجابهته بكل الوسائل، وإثبات الذات وإلا فإنَّ الفناء الوجودي سيكون حتماً هو مصيرها.

ومن آثار الغزو الفكري والثقافي، أنه سهم صائب وموجه بدقة لانسلاخ الشعوب عن عقائدها ومذاهبها. إن الغزو الفكري الثقافي لعبة قوامها الخداع لوضع الشعوب في غفلة وظلام وتشويش، إن هذا الغزو  ما هو إلا تشويه للحقائق  عن طريق خلق الكلام المنمق المزركش بكافة الألوان وتضمينه لكل خطاب أو فكر أو مقولة فيضعفون الذات أو يسلبونها لتتماشى مع توجهات وأهداف أصحاب الغزو، فيتم تقديم إغراءات وتلاعب في الأفكار والخطابات وصحة المفاهيم المزيفة لتقع في فحوى مصلحة نطاق وأقوال الغزو.

والنتاج الذي يقوم عليه الغزو هو تساقط للأجيال والأمم في دائرة الضلال من خلال خلق مساحة كبيرة للانحراف والفساد  بشتى أنواعه الاجتماعي والعقائدي والخلقي، والتبعية التي أصبحت نظاما قائما وسائدا لدى العديد من الشعوب والأمم فأصبحت كأذناب لا سيادة ولا مبدأ ولا خطوط واضحة ولا قيم خاصة بها، ويلجأون الغزاة إلى البحث عن نقاط الضعف لدى الأمم واستغلالها، ليتم تدميرها وهدمها من عدة وسائل مختلفة ومنها التركيز في مجالات أكثر أهمية للشباب والأجيال وهي مناهج التعليم التي هي عصب لكل الأمم، والتدخل المباشر وغير المباشر في زعزعة الاستقرار الاجتماعي من خلال إدخال مفاهيم واستباحة كل ما هو محظور وممنوع وغير جائز والتخلي عن الأخلاق الحميدة والانسلاخ من العادات والتقاليد والقيم الجوهرية الأصيلة التي نشأت عليها الأجيال السابقة تحت حجة الحضارة والحريات الشخصية، وتمجيد حضارة الغرب وغيرها.

ومن نتائج الغزو الفكري الثقافي أيضاً إثارة الفتن بين المجتمعات الإسلامية وبقائها دائماً في خلاف وشقاق وتفريقها وزعزعة أمنها واستقرارها ووحدتها.

و"الشباب" هو ركيزة أساسية للمجتمعات، ويستهدف الغزو الفكري  فئة "الشباب" كونه أساس تقدم وتنمية وبناء الدول وهو المؤثر الحقيقي والمسيطر والمؤمل عليه في مستقبل الأجيال والشعوب، لذا التأثير على عقول الشباب من قبل الغزو الفكري والثقافي له أهمية كبيرة  للسيطرة عليه وإفساد أفكارهم بأخرى هدامة وفاسدة ومتخلفة لتكون أداة تستخدم للنيل من عزيمة وإرادة الشعوب وعدم تطورها وتقدمها.

تعليق عبر الفيس بوك