علي بن مسعود المعشني
ما بين تاريخ نشأة مجلس التعاون الخليجي عام 1981، واليوم 4 عقود من الزمن، وما بين ظروف نشأة المجلس في تلك الأيام واليوم فجوة زمنية كبيرة مليئة بالمُتغيرات؛ حيث مرت المنطقة بعشرات الأحداث، الجسيمة منها وشبه الجسيمة والعادية، وشكلت تلك الأحداث وتداعياتها لاحقًا- في الغالب الأعم- بوصلة ومحددات للسياسات الخليجية الخارجية، وتسببت في حرف الاهتمام المأمول بالشأن الداخلي الخليجي إلى حد يمكن أن نصفه بـ"الكبير".
نجح جيل الآباء المؤسسين للمجلس في النأي بأقطارهم عن القضايا السياسية الجدلية وعن سياسات المحاور والأحلاف المُخلة بثوابت أقطار الخليج وشعوبها كعرب أصلاء سوّقوا أنفسهم وعُرفوا لدى أشقائهم العرب والعالم بأنهم دعاة خير وسُعاة للَمِ الشمل وإغاثة الملهوف وجبر ضرر الأشقاء باليد واللسان، وهذا من باب الواجب وليس من باب المنة.
اليوم يقود دول المجلس فكر شاب يطمح إلى تغليب لغة المصالح والشراكة والتعاون بين أقطار الخليج وتمكين شعوبها من النفع المتبادل والتلاحم المُثمر، في ظل أوضاع ومتغيرات مهمة تشهدها المنطقة والعالم، ولن يأتي لهذا النهج بثماره المأمولة، إلا في ظل استقرار حقيقي في أقطار الخليج وجوارها الحيوي.
فيما مضى عرفت أقطار الخليج كل مظاهر ما يُعرف بالاستقرار القلق، نتيجة جملة من الأحداث الحيوية التي أرخت بظلالها السالبة على المنطقة وجعلتها في حالة انعدام الجاذبية السياسية والتنموية، وانعكس ذلك سلبًا على منظومة مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية والتي لم تشهد مخرجات الحد الأدنى والمعقول من التعاون المؤدي بالنتيجة الحتمية إلى التكامل الخليجي ثم الاتحاد.
ما نشهده اليوم من تطور تنموي هائل وشامل لعدد من أقطار الخليج وعلى رأسها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، يجعلنا نستدعي الأمل المفقود في العقود الماضية؛ لنرصع الواقع بجملة من الممكنات التي تم ترحيلها وتجاوزها سهوًا وكرهًا فيما مضى من الزمن ونتحدث بلغة الحتمية التاريخية ومقتضيات السياسة أكثر من أي وقت مضى.
الاقتصاد هو عصب السياسة وتوأمها وأولى لبناته لأي دولة طامحة لنيل السبق والظفر بالريادة به هي البحث عن التكامل الحيوي في جغرافية الجوار أولًا كأداة فاعلة من أدوات الأمن القومي، ثم البحث عن مفردات لغة الاقتصاد والمتمثلة في الكثافة السكانية وتعزيز القوة والقدرة الشرائية والموقع الاستراتيجي الهام لخلق منظومة لوجستية فاعلة.
توجه المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة أميرها الشاب صاحب السُّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان نحو بناء المملكة وبما يتناغم مع لغة العصر ويترجم ممكنات المملكة يُشعرنا جميعًا نحن أبناء مجلس التعاون بأن رؤية "المملكة 2030"، لن تتوقف داخل المملكة ولن تقتصر عليها؛ بل ستمتد بحكم مقتضيات الطموح ومنطق الأمور والواقع إلى كل جغرافية أقطار الخليج العربية أولًا.
رؤية سمو الأمير الشاب وما أنجز منها على أرض المملكة لا تنبئ بعودة الروح إلى جسد منظومة مجلس التعاون فحسب؛ بل إلى روح جديدة ورؤية عصرية كذلك ستعيد إنتاج منظومة مجلس التعاون وتحول آليات عمله من إطار دبلوماسية القمة وكما كان حالها في العقود الماضية إلى دبلوماسية شعبية تتزاحم فيها مصالح الشعوب والأوطان وتتوالد منها منافع جمة لشعوب المنطقة لتوثق عرى التعاون والتكامل بينها إلى حد التطابق.
زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان للسلطنة وجولته في أقطار الخليج تباعًا توحي بأنَّ هناك زمنًا جديدًا سيولد على أرض الخليج، زمن يطوي صفحات المجاملات والتورية والتنافس ويستبدلها بالوضوح والشفافية والتعاون المثمر الجاد.
قبل اللقاء.. لكل زمان دولة ورجال.
وبالشكر تدوم النعم.