"دونك الأيام"

 

عائشة بنت جمعة الفارسية

متى وكيف تُكتشف الموهبة؟ لعل صيغة السؤال هنا دارجة إلى حد أنه باستطاعة الجميع الإجابة عليه. فنتلقاه بقناعة تامة حتى لو اختلفت الآراء رداً على السؤال.

لا شك أنَّ التاريخ فيه من الأمثلة، لمواهب تكتظ بها الساحة قديما وحديثا وللمطّلع منا في هذا الشأن، طرق عدة في معرفتهم، ولعل البعض يميل إلى الحذو حذوهم؛ خاصة إذا توافقت المواهب التي نشأت في تكوينه مع الهوايات التي اكتسبها من بيئته.

ولدور التربية الأسرية العمانية على وجه الخصوص قديماً تحت مظلة الأسرة الممتدة، في غرس الناشئة وتطعيم الفكر وتشذيب السلوك، من تنوع في ممارسة الأعمال، مع اختلاف البيئة ما يعطي نتاجاً تتضح معالمه لتفرد المواهب وظهورها في سن مبكرة، نهجا انفرط عقده حالياً إلا من جذور لا زالت متصلة بأرض سقيت بماء العين، واستحال العوض عنها، والتفريط في نهجها.

فنجد منهم من تفردت يداه، بفنون الأرض من حرث وغرس مع التعريج على سنن البحر ومن دأبت على أعمال المنازل من تنظيف وطهي وخياطة فتشكلت أناملها تنساب كقطرات ندية سرت على لوح زجاجي وجدت من الأجواء ما يشبع تدفقها. وكلها بلا ريب، القواعد التي يقوم عليها البنيان لاحقًا.

وعلى مقاعد الدراسة، فرض الطالب نفسه في منافذ صقل الموهبة، فعرف مداخلها وتَمَرس فيها من خلال المناشط المتعددة، ولا نغفل هنا عن دور ولي الأمر الملازم في الاكتشاف والصقل والتحفيز.

تتصارع في أفكارنا مع الانفتاح المعرفي وهذا التدفق الهائل منه، قنوات عجز البعض في ترتيب الأولويات، وتطبيق قاعدة الأهم فالمهم مع الضبط لها من حيث الكمية والنوعية فالتوجيه.

كنَّا قبلها نفتقر إليها، حتى أصبحنا نحتاج إلى ضبطها... والواقع الآن بات معكوسا فبعد شح في الموارد والمصادر لسبب أو لآخر. أضحى باب المعرفة والتدريب والتعليم على مصراعيه لا تحده قوانين ولا تثنيه عوائق.

يبقى هنا المتابعة الوالدية وقبلها الرغبة الحقيقية لطالب العلم. ولابُد أن ننوه أن تمكين الموهوب في سن مبكرة هو الفيصل الذي يتفق مع ما كان، وما هو كائن، وليس فقط شح الموارد؛ لأنَّ الممارسة الفعلية للمعرفة هي الحلقة الضائعة.

وسابقاً برز الكتّاب والرسّامون وهواة الفلك والفضاء رغم قلة مواردهم، وكان النجاح حليفهم وإن تفاوتت أعمار الشهرة مع ممارستهم الفعلية والتعلم من الخطأ واكتساب الخبرات.

إننا لنفخر برموز توشحت عُمان بهم زهوًا في مجالات عدة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، في الفنون التشكيلية الأستاذ أنور سونيا، وفي الأدب الدكتورة سعيدة خاطر ولعل حروف الأستاذ سعيد الصقلاوي بارزة في مجال الشعر يشد من همم الشباب ترنمت بها حناجر المواهب العمانية منهم الفنان سالم بن علي، فصدح مرددًا:

دونك الأيام فامضِ يا عماني

وتسنّم فوق هامات الزمانِ

تعليق عبر الفيس بوك