إدارة المشاريع الإنشائية والحوكمة

 

غازي الخالدي

ghazi3226@hotmail.com

تنمو المشاريع الإنشائية في بيئات عمل مختلفة وتتأثر المشاريع سواء إيجابًا أو سلبًا بالمُتغيرات والثوابت في بيئات العمل المُكلفة بإدارة المشاريع.

وخلال السنوات الماضية، اتجهت مختلف المؤسسات العاملة في المشاريع الإنشائية إلى السعى الحثيث نحو تطبيق أفضل المنهجيات والممارسات والأساليب والإجراءات والقواعد في إدارة مشاريعها؛ سواء قبل تنفيذ المشروع أو أثنائه أو بعد التنفيذ بهدف تنفيذ المشاريع بفاعلية وكفاءة وفق أفضل الممارسات المستخدمة عالميًا. ومما لا شك فيه أنَّ المؤسسات التي تطبق منهجية إدارة المشاريع في إجراءتها وممارساتها يتيح لها- على سبيل الذكر لا الحصر- تسليم مشاريعها في الوقت المحدد وبالموازنة المعتمدة، كما إنها تساعد المؤسسات على تحقيق أهداف المشروع وحل الإشكاليات التي تعترض المشاريع بإجراءات واضحة ومحددة وسهولة اتخاذ القرار ومسارات تصعيده بالإضافة إلى التحسين المستمر للأداء وكفاءة فاعليته.

وفي ظل المتغيرات العالمية اقتصادياً وماليًا والتي أثرت على المشاريع الإنشائية بما فيها الإنفاق المالي جنبا إلى جنب مع التسابق العالمي نحو التنافسية والابتكار والعمل بمنهجيات واضحة تحقق الشفافية وتلبى تطلعات المستفيدين برزت أهمية حوكمة إدارة المشاريع بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة متصدرة اهتمامات المؤسسات وإداراتها.   

إن الحوكمة في المشاريع الإنشائية واحدة من أهم المرتكزات الأساسية التي يجب على قادة المؤسسات العمل عليها وتحقيقها ونقصد هنا بحوكمة إدارة المشاريع الخطط والعمليات والسياسات والقواعد والأنظمة التي يمكن استخدامها في إدارة المشروع في كل مراحله خلال دورة حياة المشروع.

وعند الحديث عن الحوكمة لابُد أن ننطلق من نقطة أساسية ورئيسية وهي الإطار العام للحوكمة، والذي بدوره يساعد على تحسين الأداء وضبط ومراقبة المشروع ويكون الإطار العام هو الخطة الواضحة للحوكمة والتي تحتوي على كافة الإجراءات والعمليات والممارسات والسياسات وآلية العمل وتوزيع المهام وإصدار القرارات والرقابة على الأداء بحيث يتوافق الإطار العام للحوكمة مع أهداف ورؤية المؤسسة.             

من النقاط المهمة التي تساعد على تطبيق الحوكمة داخل المؤسسات التي تدير مشاريع إنشائية هي إنشاء هيكل تنظيمي للمؤسسة أو تحسين ما هو قائم ليتوافق مع المسؤوليات والمهام المناطة بأفراد الطاقم داخل المؤسسة، وبالتالي تكمن أهمية الهيكل التنظيمي في إيجاد مسار واضح للإجراءات وإصدار القرارات وتحديد المسؤوليات والمهام لكل فرد داخل الهيكل بحيث تكون المسؤوليات والمهام واضحة ومكتوبة مما يساعد على فرض الرقابة على الأداء ويسهم في تبسيط الإجراءات وتحسينها، مما يرفع كفاءة الأداء داخل المؤسسة، وإضافة إلى وجود المعنيين بتحديث الإجراءات وتطويرها وتطبيقها في كل المشاريع على اختلاف أحجامها وكجزء أساسي من الهيكل التنظيمي، وهنا تبرز أهمية وجود مكتب إدارة المشاريع في الهيكل التنظيمي للمؤسسات وتحديد اختصاصاته.                                    

ومن المجالات المهمة في إطار الحوكمة: التخطيط، وهنا يبرز دور أهمية الحوكمة في توفير المعايير اللازمة للعمليات والإجراءات المنفذة داخل المؤسسة والتي تؤثر على سير عمل المشروع بما فيها وجود دليل استرشادي معتمد لكافة الإجراءات متضمنة مؤشرات قياس وأهداف محددة. كما إن مرحلة التخطيط تشمل تحديد السياسات المتبعة في مسألة المساءلة والمحاسبة بالإضافة إلى توحيد شكل خطة إدارة المشروع وصيغ التقارير اليومية والشهرية والسنوية وتقارير الأداء والتقرير الكلي للمشروع وكذلك توحيد شكل صياغة المستندات المتعلقة بالمتغيرات بالمشروع.

أيضاً من المهم ذكره هنا في هذه النقطة آلية تقسيم الأعمال والإجراءات خلال دورة حياة المشروع من البدء وحتى إغلاق المشروع وطرق تحسين الأداء واعتراض الإشكاليات وتحديد سلطة المهندس أو مدير المشروع لإصدار القرارات وتحمل المسؤولية. والشيء بالشيء يُذكر، فعملية التخطيط قبل بدء المشروع مهمة جدًا، بحيث تضع أسس الحوكمة المتبعة والتي بلا شك تساعد على تحديد أولويات رئيسية منها دراسة الجدوى من المشروع بمشاركة المعنيين به.    

إنَّ التنفيذ والمتابعة من المؤشرات الفعلية لكفاءة إطار الحوكمة داخل المؤسسة والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بحوكمة إدارة المشاريع الإنشائية؛ حيث إن المتابعة والتنفيذ تحددان أسلوب الاستجابة للمتغيرات أثناء تنفيذ المشروع، والأساليب المتبعة في كيفية الموافقة على أي تغييرات تطرأ وآلية التحقق منها وقياسها بمؤشرات واضحة تساعد الإدارة العُليا بالمؤسسة على اتخاذ القرارات الصحيحة وفق صلاحياتها المحددة. كما إن التنفيذ والمتابعة يحددان الإجراءات اللازمة لإدارة المخاطر والإشكاليات التي تعترض المشاريع وتتبع الإجراءات المتخذة من لحظة صدورها حتى تنفيذها مما يساهم في رفع كفاءة الأداء وتحسين جودة المعاملات وسرعة اتخاذ القرار بما لا يعطل سير العمل بالمشروع.

من النقاط المهمة والتي أجدها سانحة لعرضها في مجال التنفيذ والمتابعة هي وضوح معايير قياس الأداء سواء للفرد أو المؤسسة أو أنشطة المشروع وبالتالي العمل على التحسين المستمر والتقييم وتصحيح الأخطاء بما يحقق أهداف المؤسسة والمشروع معًا.       

إغلاق المشاريع الإنشائية مجال آخر من مجالات الحوكمة المرتبطة بإدارة المشروع ومنها تتضح الرؤية والإجراءات المتبعة داخل المؤسسه للأفراد المشتغلين على المشروع حيث تحرص العديد من المؤسسات على جعل عملية الإغلاق أحد الأساسيات المهمة في إطار الحوكمة المعمول به؛ حيث تكمن أهمية عملية حوكمة إغلاق المشاريع إلى توفير الإرشادات العامة والمعايير المستخدمة والإجراءات لكل مشروع من حيث تقييم المشروع والدروس المستفادة وطريقة إغلاق العقد واستلام المشروع، إضافة إلى نقل المعرفة من العاملين بالمشروع المغلق للآخرين داخل المؤسسة.    

إنَّ الإدارة الفعالة داخل المؤسسة وتوجهها نحو تطبيق إجراءات الحوكمة للمشاريع الإنشائية سيخلق بيئات عمل أكثر تنافسية وسيساعدها بلاشك في الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية ويوفر الوقت والجهد بما يحقق الأفضلية في الأداء وتحقيق مؤشرات أداء عالية، وبالتالي ينعكس ذلك على تحقيق أهداف المشروع وخلق صورة إيجابية للمؤسسة بما يعزز من مكانتها ويخلق ثقة متبادلة بين مختلف مستويات الإدارة.                            

من الأهمية بمكان اليوم ونحن نشهد هذه التطورات المتسارعة في بيئات العمل المُختلفة والرغبة الجادة في إحداث التغيير للأفضل في شكل وأسلوب الممارسات داخل المؤسسات إلى ضرورة تمكين الحوكمة بصورتها الفعالة والسعي إلى تطبيقها على كافة الأوجه حتى تستطيع المؤسسات تنجب فشل المشاريع وهدر الموارد وعدم استغلالها الاستخدام الأمثل وعدم مواكبة المستقبل واندثار المؤسسات وفشلها.

تعليق عبر الفيس بوك