فاطمة الحارثية
ليس ثمَّة خالي بالٍ، حتى الأطفال فكرهم مشغول بالألعاب؛ الأفكار كثيرة والكلمات تخرج من رحم انطباعاتنا عن ثقة هوجاء، وأيضًا الخيال لا حدود له، لتبقى الدهشة هدفاً لدى المتنافسين والمهيمنين على الأرض، فماذا يُدهشك على سبيل المثال؟
لا أعتقد أن الظلم بات يُثير دهشة أحد، فقد أسلمنا قلوبنا لعوامل التعرية، وخيالنا لأمجاد "كان أبي وجدي"، إذا لنتحدث عن بعض التفاصيل التي نلمسها كثيرًا، ربما تكون تفاصيل صغيرة لكنها كبيرة وطويلة الأثر مثل: فرض المشاعر المختلفة على الغير، كالشعور بالذنب أو المسؤولية أو أي وهم يساهم في فرض الهيمنة والسيطرة على الآخر، وأكثر ما يُثير دهشتي تلك الألعاب اللفظية لسل سيف العقاب قبل الطاعة على رقاب النَّاس، وبرمجة الآخر للسعي خلف المصطنع والظروف المادية بعيدًا عن الواقع والمنطق وأسباب الوجود.
الرهان الآن قائم على استراتيجية تشتيت فكر القطيع، ليصنع القلة المجال والظروف المطلوبة لتحقيق مآرب لا يستطيع الإنسان البسيط رؤيتها، وثقته بتلك القلة أيضًا تُثنيه عن قبول غير قولهم ونصحهم وأوامرهم. إذا ما هو الرهان الحالي؟ الطبيعة البشرية تسوف الكثير، وتتجاوز بصمت وخنوع وتجاوب مطلق، لفكر القطيع دائمًا، إلا في حالة واحدة فقط، تقف وتأخذ بزمام الأمور وبكل قوتها، عندما يكون في حالة "الصراع من أجل الحياة والبقاء"، ولم يتحمل يومًا مسؤولية تجاهله في تدهور الأحوال، بل دائماً يتعذر بغيره ويلقي التهم وتبدأ غرائزه بالسيطرة على حاله، تحت مبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان"؛ ليبحث عن كبش فداء لفشله واتكاليته وكسله، وينادي ويثور على من اختاره علقه الناقص، ككبش فداء في وهم تغيير الحال للأفضل، ليحل الدمار تحت عذر الإصلاح بكل حماقة؛ ليس خطأ أن يعترف البعض بمحدوديته في التعامل، وإيجاد الحلول رغم سعيه العلمي الرفيع، وليس مخجلا ولا عيباً أن يستعين بمن يستطيع، مهما كان وضيعًا في نظره، فالكبر لا يأتي إلا بالندم.
الكثير من النَّاس إن لم يكن الغالبية ينظر إلى المعطيات المادية، ولا يستفيد من الجوانب والعلامات الواقعية والمنطقية، ربما لأنه يعيش الأمل، أو يتمنى فرض واقع مغاير يأخذه طمعه إليه؛ قد لا يتفق معي الغالبية من الناس، لكن الواقع الفعلي، يُبرهن أن القادم ليس تطورًا في المجالات المختلفة، بل صراعا حقيقيا من أجل البقاء، والرهان العقلي ليس على التكنولوجيا بل إيجاد العناصر الأساسية للبقاء أحياء. إنَّ من يُراهن على الاستثمار، في القادم من الوقت عليه أن يفكر مليا، بالتأثيرات التي قد تُعد من الصغائر اليوم، لكنها بكل تأكيد سوف تكون الحكم غدًا، مثل تأثيرات المناخ والطبيعة، والحالات الإنسانية غير المستقرة، والعلوم الصناعية في الغذاء والدواء، وعواقب ذلك على حال البشر، وما يعتمد عليه الفرد في معاشه وأنفاسه.
سُّمو...
ليس كل جمع ممن يُخالفك على صواب، وإن كانوا بحجم قوم، فلقد كان بيت لوط عليه السلام على أرض شاسعة الوحيد الطاهر، ولقد غير نبي واحد دين مئات الآلف ممن حوله كانوا على خطأ.