ثمنت الدور العُماني في ترميم الآثار السورية

بثينة شعبان لـ"الرؤية": "الجرح السوري" كبير.. وعُمان على رأس الدول الداعمة

...
...
...

 

هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تملك "كنزًا أرشيفيًا".. ونتائجه تتجلى مستقبلًا

◄ زيارة الوفد السوري لعُمان بداية عمل مشترك بين مسقط ودمشق في التوثيق والأرشفة

◄ عُمان على رأس الدول الداعمة لسوريا في مجال ترميم الآثار

◄ مؤتمرات وندوات مُقبلة بين عُمان وسوريا للنهوض بالعلاقات الثقافية والعلمية

◄ عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ضحايا "معركة الصمود"

◄ العرب "مقصرون" في الإنتاج المعرفي العالمي.. والنخب العربية غير قادرة على مواكبة العصر

◄ ضعف التعليم وتراجع الاهتمام باللغة من العوامل المهددة لبقاء الثقافة العربية

◄ البحث العلمي العربي والمبادرات الثقافية يفتقران للتمويل

الثقافة العربية تواجه تحديات "مصيرية"

◄ نأمل أن يستفيد الوطن العربي من التجربة السورية في مواجهة العدو

◄ التحلي باليقظة الوطنية السبيل الأوحد لردع أي تدخل في الدول العربية

◄ الآثار السورية المهربة ستعود يومًا ما لموطنها الأصلي

◄ "الأغا خان" تساعد في ترميم أسواق حلب.. ومبادرات شتى لإعادة الروح للآثار السورية

 

أجرت الحوار: مدرين المكتومية

تصوير/ راشد الكندي

أشادت معالي الدكتورة بُثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري رئيسة مجلس أمناء مؤسسة "وثيقة وطن"، بالتجربة العُمانية في حفظ وتوثيق التراث الوطني، وحمايته للأجيال القادمة، مشيرة إلى أنَّ مثل هذه الجهود تسهم في ترسيخ الوعي المجتمعي بأهمية التاريخ والتمسك بالموروثات.

وقالت معاليها- في حوار خاص مع "الرؤية" على هامش زيارتها إلى السلطنة- إن البلدين يسعيان إلى تعزيز علاقات التعاون في مجالات حفظ التراث والوثائق التاريخية، فضلاً عن التعاون في مجال ترميم الآثار، ممتدحةً الجهود العُمانية، ممثلة في المتحف الوطني العُماني، في ترميم قطع أثرية، وإعادتها و"كأنها النسخة الأصلية". وأضافت أن حماية الآثار السورية من تخريب الفاسدين متواصل لضمان أنَّ التراث الخالد لسوريا لن يندثر بسبب فئة من "الإرهابيين".

وتطرقت مستشارة الرئيس السوري إلى واقع الثقافة العربية في الوقت الراهن في ظل المتغيرات العنيفة والتطورات الخطيرة التي شهدتها المنطقة خلال العقود المنصرمة.

وقالت: "في الحقيقة تواجه الثقافة العربية تحديات مصيرية وجوهرية؛ لأن عالم اليوم يعتمد كليًا على إنتاج المعرفة، والوطن العربي برمته مقصر جدًا في إنتاج المعرفة، علاوة على أن النخب العربية تواجه الكثير من التحديات".

وتحدثت شعبان كذلك حول العديد من الملفات والقضايا التي تخص الشأن السوري والعربي، في ظل ما تتعرض له المنطقة من تبعات الاضطرابات التي شهدتها خلال العشرية المنصرمة.

وإلى نص الحوار..

 

 

◄◄ بدايةً، نرحب بكم في بلدكم الثاني سلطنة عُمان... أولًا ما انطباعكم عن هذه الزيارة وما شهدته من مباحثات مع المسؤولين في مجالات الوثائق والمحفوظات والدراسات التاريخية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة؟

الحقيقة سعدتُ جدًا بزيارة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومباحثاتي مع سعادة الدكتور حمد الضوياني رئيس الهيئة، وأعجبني للغاية الجهد الكبير المبذول في عُمان من أجل توثيق الذاكرة الحكومية والوطنية، ولا شك أن هذه الهيئة تسهم بدور أساسي مع كل مؤسسات الدولة لتوثيق ما يجب توثيقه وحفظه في الأرشيف الوطني، بحيث يظل متاحًا للأجيال القادمة. وهذا التراكم الكمي من الوثائق في المستقبل سيُحدث تحولًا نوعيًا في التفكير، وسيكون بمثابة قاعدة بيانات وطنية تساعد على وضع الاستراتجيات في مجالات عدة، مثل التعليم والسياسة والاقتصاد، وأستطيع أن أقول إن عُمان تملك كنزًا من الوثائق تستطيع من خلاله البناء للمستقبل والاستفادة منه في التخطيط الاستراتيجي.

نحن لدينا في سوريا مؤسسة "وثيقة وطن"، وأتواجد في مسقط بصفتي رئيسة مجلس أمناء المؤسسة، ومعي اثنان من أعضاء مجلس الأمناء، أتينا للاطلاع على التجربة العُمانية ولنُطلع الإخوة العُمانيين على تجربتنا سواء في توثيق الحرب على سوريا أو في توثيق الحرف اليدوية أو في توثيق المأكولات السورية أو التراث الكنسي. وفي اعتقادي أن هذه الزيارة بداية عمل مشترك بين سلطنة عُمان والجمهورية العربية السورية، ونأمل من الله أن نقود هذا المسار في العالم العربي برمته، وأن يتعلم منا الإخوة العرب من خلال مؤتمرات أو محاضرات أو ندوات نقيمها سويًا في المستقبل، هذا هو هدفنا بإذن الله.

 

 

◄◄ بماذا تصفين علاقات سوريا بسلطنة عُمان؛ سواء على المستوى السياسي أو الثقافي والاقتصادي؟

أعتقد أن علاقات سوريا بسلطنة عُمان علاقات متميزة، وقد شاركت في زيارة مع الرئيس بشار الأسد إلى عُمان، والتقينا المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-. وخلال الفترة الأخيرة زار عُمان معالي وزير الخارجية السوري ومعالي وزير الصحة السوري. وظني أن العلاقات الثقافية والاقتصادية تحتاج لجهود أكبر لكي نعرّف الشعب السوري بالثراء الفكري والمعرفي الذي تتحلى به عُمان، ولكي نعرف الشعب العُماني بالقواسم المشتركة مع الجمهورية العربية السورية، والنية قائمة والعمل متواصل والمحبة والاحترام متبادلين.

وأؤكد أنَّ الشعب السوري يكن كل الاحترام والمحبة للشعب العُماني، وقد لمستُ هذه المحبة المتبادلة من أشقائنا العُمانيين.

 

 

◄◄ كيف يمكن للبلدين أن يوظفا الخبرات المشتركة في مجال المؤتمرات والندوات التاريخية والحضارية والفكرية والعلمية والمعارض الوثائقية؟

نتابع باستمرار مع سعادة الدكتور حمد الضوياني رئيس الهيئة للعمل على التخطيط لعقد لقاءات ومؤتمرات وندوات قادمة، لا أعتقد أن العلاقة بيننا سوف تنقطع في هذا المجال أبدا، على العكس سوف نبني عليها وسوف يكون عملنا المشترك ظاهرا في المستقبل.

 

◄◄ هل تواجه الثقافة العربية تحديات تهدد بقاءها؟ أم أن الأمر ليس سوى تحديات تتزامن في كل الحقب التاريخية على مر العصور؟

في الحقيقة تواجه الثقافة العربية تحديات مصيرية وجوهرية؛ لأن العالم اليوم كله يعتمد على إنتاج المعرفة، والعالم العربي والوطن العربي برمته مقصر جدًا في إنتاج المعرفة والنخب العربية هي نخب ضئيلة ونخب ليست قادرة على أن تسير في المسار السريع والكفؤ الذي يحتاجه هذا الزمن، نتيجة عدة عوامل؛ أولًا: ضعف التعليم في العالم العربي، ثانيًا: ضعف التركيز على اللغة العربية، حيث إن اللغة العربية في محركات البحث العالمية قليلة جدا، ولا نجد الكثير من الأبحاث منشورة باللغة العربية.

والحقيقة أن الثقافة بحاجة إلى تمويل، والمثقفون يجب أن يتم تمويلهم لكي يتمكنوا من قضاء أوقات طويلة في التفكير ووضع الاستراتيجيات وإنتاج المعرفة.

وأقولها بصراحة، للأسف نحن في العالم العربي لا نموّل مراكز الأبحاث ولا نمول التعليم ولا نمول المبادرات الثقافية، وعدد مراكز الأبحاث في العالم العربي عدد محدود جدًا لا يليق بهذه الأمة وبحضارتها وبتاريخها وبمعرفتها، فقد اخترع أجدادنا العرب الكثير للبشرية، وللأسف اليوم نحن مقصرون للغاية في هذا المجال، لكني آمل أن نتجاوز ذلك، وأن ننتبه إلى أهميته وأن نواجه التحديات قبل فوات الأوان.

 

◄◄ ما أبرز الفعاليات الثقافية التي ستنظمها الدولة السورية خلال الفترة المقبلة للتأكيد على عودة الحياة الطبيعية في البلاد بعد سنوات من الاضطرابات؟

نحن في سوريا لدينا الكثير من الفعاليات؛ سواء في الثقافة أو الموسيقى أو التاريخ أو في النشر والكتابة، لكن ليس الهدف إقامة فعالية كبرى، الهدف أن نعمل. وأضرب لكم مثالًا بمنصة "وثيقة وطن"؛ حيث إننا في الرابع عشر من ديسمبر المقبل لدينا توزيع جوائز "هذي حكايتي" لأفضل قصة كُتبت عن الحرب، وهذه هي السنة الثالثة التي ننظم فيها مثل هذا النشاط المهم؛ حيث تأتينا قصص من كل أنحاء الأراضي السورية.  ولا شك أن مثل هذه المسابقة تسهم في تأريخ الأحداث، وتدوينها في الذاكرة السورية، فضلا عن أننا سنتمكن في المستقبل من تحليل هذه القصص والمقابلات واستنتاج الثغرات التي نفذ منها الأعداء إلى بلدنا؛ لكي لا يتمكنوا من تكرار هذا الأمر ضد سوريا. ونأمل أن يستفيد الوطن العربي من تجربتنا، وأن يتمتع كل عربي باليقظة لكي لا يحل لأي بلد عربي ما حل بسوريا.

 

◄◄ ما الإجراءات التي اتخذتها سوريا لإعادة ترميم الآثار التاريخية التي تعرضت للتدمير من قبل الجماعات المتطرفة؟ وماذا عن الآثار المهربة إلى الخارج؟

هناك أكثر من إجراء وهناك دول كثيرة تساعدنا وعلى رأسها سلطنة عُمان، فقد زرت المتحف الوطني العُماني وقد اطلعت على 3 قطع أثرية مهمة جدًا بعد ترميمها بكفاءة كبيرة، فلا يمكن لأحد معرفة كيف رُممت ولا أين تظهر آثار الترميم عليها؛ وكأن الخبراء العُمانيين أعادوا النسخة الأصلية. وأنتهز الفرصة لأوجه الشكر إلى سلطنة عُمان والقائمين على التراث ومعالي وزير التراث والسياحة، نظير الجهود المستمرة لمساعدة سوريا في ترميم آثارها.

وأيضًا من بين الداعمين لسوريا في هذا السياق، منظمة "الأغا خان" التي تساعد سوريا على ترميم أسواق حلب وهناك مبادرات شتى تأتي إلى سوريا من أجل مساعدة سوريا في ترميم آثارها، وطبعاً هذا العمل سوف يستغرق وقتاً لأن الإرهابيين عاثوا في الأرض فسادًا وتدميرًا، لكن الحمدالله أن المعنيين بالتراث والآثار استطاعوا إنقاذ معظم الآثار السورية وإخفائها في أماكن بعيدة لم تطلها يد الإرهاب الغاشم.

أما فيما يتعلق بالآثار المهربة للخارج، أستطيع القول إننا نجري عملية إحصاء لآثارنا وما فُقد منه؛ سواء في أعمال التدمير أو السرقة أو التهريب للخارج، وأطمئن الجميع أن استعادتنا للآثار السورية لن يكون مستحيلًا، فنحن نعرف أين هي وسنطالب بعودتها واستعادتها.

 

◄◄ أين تقف الدولة السورية الآن بعد سنوات صعبة من الحرب والمخططات التي سعت لهدم الدولة؟

الدولة السورية نجحت في معركة الصمود، ولم تنهار كما كان مُخططا لها، ولم يتمكن العدو من القضاء على هذه الدولة. وهذا الصمود منحنا المزيد من القوة، والتأكيد على أننا قادرون أن نعيد وطننا إلى ما كان عليه وأفضل. بالطبع الجرح كبير، ولدينا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، كما إن الإرهاب دمر الكثير من مؤسساتنا ولذلك التحديات كبيرة، لكن الإنسان السوري هو إنسان وطني ومنتمٍ وإنسان صبور، ولقد مرَّ على سوريا حروب كثيرة على مدى 10 آلاف عام، والحمدالله في كل مرة كانت سوريا تعيد بناء نفسها ويندحر المعتدون.

 

◄◄ ما طبيعة التعاون بين سوريا ودول الخليج، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة والتقارب الحاصل مع عدد من الدول؟

الحقيقة نتمتع بأفضل علاقة مع سلطنة عُمان، فالسفير العُماني في دمشق لم يغب إلا لفترة، وكان القائم بالأعمال يمارس المهام، وسفيرنا أيضًا موجود في مسقط، فالعلاقات بين عُمان وسوريا علاقات مستقرة وممتازة، والآن بدأت دولة الإمارات فتح سفارتها بدمشق وهناك قائم بالأعمال في سوريا، والبحرين كذلك، ونأمل أن تعود الحياة العربية إلى دمشق قريبًا بإذن الله. أيضًا قام الأردن بفتح خط تجاري مع سوريا، وهناك جهود من قبل الحكومة العراقية لعودة العلاقات الاقتصادية والمجتمعية بين العراق وسوريا.

 

◄◄ متى تعتقدين أن تعود سوريا إلى عضوية الجامعة العربية؟ وما الإجراءات التي تتخذها الحكومة في دمشق من أجل ذلك الهدف؟

أتوقع أن تعود في وقت ليس ببعيد؛ لأن أكثر من وزير خارجية عربي وأكثر من حكومة عربية تطالب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، خاصة وأن سوريا عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، لكن الأهم من ذلك أن تعود سوريا بتجربتها إلى الجامعة العربية وأن تؤثر إيجابا في مسيرة العمل العربي المشترك، وأن ننطلق- كعرب- نحو صفة جديدة ومختلفة العمل العربي المشترك، صفة أكثر حيوية وأكثر مصداقية مع الشعب العربي من المحيط للخليج، والأهم أيضًا أن نواجه الأطماع الإقليمية والغربية في منطقتنا.

تعليق عبر الفيس بوك