فلسفة الجودة

 

فهد سعيد الحارثي **

injazoman@hotmail.com

 

المُتتبع للتطور التاريخي للجودة، وارتباط مفهومها بضبط الجودة في بدايات القرن العشرين والمنفذ من أقسام الجودة فقط وصولا إلى مرحلة الجودة مسؤولية الجميع والتركيز على العميل جاءت نتيجة التطورات المتسارعة والتنافسية العالمية وخسارة الكثير من الشركات لحصصها السوقية ما استدعى تغيير المؤسسات لطريقة تفكيرها والسعي إلى نشر فلسفة الجودة في كافة تقسيمات المنظمة لتشمل كافة العمليات الإدارية والتشغيلية ومختلف الأقسام.

وعندما نتتبع الرُّؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، نلاحظ تركيزها على عدة محاور استراتيجية منها محور الحوكمة والأداء المؤسسي، وذلك لم يأتِ من فراغ؛ بل هي رغبة واضحة وصريحة في تجويد العمل الحكومي ورفع كفاءته وإنتاجيته وزيادة مستوى التنافسية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي وكسب ثقة المستثمرين والقضاء على البيروقراطية الحكومية وهو ما يستدعي تغيير شامل في الثقافة التنظيمية للمؤسسات وتبنيها "فلسفة الجودة والتميز" في عملياتها وإجراءاتها والتفكير القائم على المخاطر والتركيز على المخرج النهائي للعملية مع تحقيق توقعات الأطراف المعنية .

لذلك أكد مؤسسو علم الجودة ديمينغ ووكروسبي، في مؤلفاتهما، أهمية بناء ثقافة الجودة كشرط مُسبق لابد منه كي تنجح المؤسسات في مساعيها لتحسين الجودة واعتبارها أمرًا حيوياً لتطورها لذلك فالمتتبع للعمل الحكومي خلال الفترات القريبة الماضية يُلاحظ توجه العديد من المؤسسات الحكومية للحصول على شهادة الجودة وغيرها من المواصفات العالمية سعيًا منها لتجويد خدماتها ولكن وبالرغم من نجاحها في الحصول على الاعتراف بمجموعة من معايير الجودة إلا أن التحدي الأكبر كان في أن التطبيق للمواصفة في مجمله كان إجرائياً فقط واقتصرت مسؤولية التنفيذ ومتابعة التحسين المُستمر على دوائر الجودة ولم يكن هناك تبني شامل لفلسفة الجودة كأساس سلوكي وممارسة يومية وأنَّ الجودة مسؤولية الجميع مما أدى إلى انحسار انتشار مفهوم الجودة وارتفاع مقاومة التغيير وضعف التطبيق الفعَّال للمواصفات وبدون تبني فلسفة الجودة كمنهج سلوكي بمختلف تقسيمات المنظمة سوف يكون مصير عمليات الجودة على الأمد القصير الفشل واستمرار للتطبيق الشكلي فقط .

لذلك فإنَّ بناء ثقافة جديدة بالمنظمة كالجودة يتطلب إعادة تشكيل لثقافة وقيم تلك المؤسسة بما يتناسب مع ثقافة وقيم العاملين بها وأن بناء فلسفة الجودة هو أمر مختلف تماماً عن بناء الثقافات الإدارية التقليدية وذلك من خلال تهيئة البيئة الملائمة للتطبيق وهنا يظهر دور "القيادة" والمطلع على مواصفات الجودة يلاحظ أنها تفرد بندا خاصاً لأدوار ومسؤوليات القيادة كونها الأداة الأقوى لدعم تبني المنظمة لفلسفة الجودة كثقافة تنظيمية وقدرتها على التأثير على الأفراد وجعلهم ينجزون أهداف المجموعة ويجب أن تكون القيادة مرآة للموظف من خلال تبنيه لنهج سلوكي داعم للجودة من خلال مُمارساته اليومية والذي سينعكس مباشرة على كافة العاملين بالمنظمة لأن الفرد دائمًا يرتبط بتوجهات القائد، لذلك دعم التطبيق الفاعل للجودة هو دعم من أعلى مستويات الهرم التنظيمي وليس من خلال الدعم المعنوي فقط ويكون ذلك على الأقل من خلال:

•     تبني القيادة للمنهج السلوكي للجودة عبر الممارسات اليومية لنشاط الجودة

•     الربط الاستراتيجي بين أهداف المنظمة وأهداف الجودة لتكون في مسار واحد.

•     الالتزام بعقد اجتماعات الإدارة للتعرف على المخاطر والفرص.

•     اعتماد خطط التدقيق السنوية والاطلاع على تقارير التدقيق ومتابعة التوصيات.

•     انعكاس قيم المنظمة في شخصيته

•     التأكد من مدى اندماج القيادات والموظفين في عمليات الجودة

•     أن تكون الجودة مسؤولية الجميع

الخلاصة أن معظم الدارسات والأبحاث المرتبطة بالقيادة وأثرها على فلسفة الجودة تؤكد أن بناء ثقافة الجودة يبدأ من القيادة وأي إجراء غير ذلك سيضع المؤسسة أمام أكبر تحديات ومعوقات الجودة بالتطبيق ويجب على الجهات الحكومية إذا ما أرادت التطبيق الفاعل لمواصفات التميز أن تعمل على تهيئة كادر بشري متمكن في الجودة وأن تدمج تدريب الجودة في خططها التدريبية السنوية كأساس ثابت ومعيار أساسي للتقدم المهني لمختلف المستويات القيادية فنحن اليوم قد نجمع أن مجمل خطط التدريب الداخلية قد لا تتضمن خطط تدريب ثابتة لمواصفات الجودة أو المخاطر أو غيرها من المهارات اللازمة لدعم توجهات السلطنة القادمة إلا في حدود التطبيق لأي مواصفة ويجب أن تكون الجودة ضمن أعلى سلم معايير تقييم الأداء للموظف.

وإذا ما أردنا أن نساهم في تحقيق رؤية السلطنة القادمة فيجب أن نساهم في إخراج جيل من القيادات متمكن من مفاهيم الجودة ويعمل على أساسها وموجهة لسلوكه التنظيمي وأن يكون تطبيق المواصفات شكلا ومضمونا بما يحقق سعادة ورفاه العاملين ورفع ثقة المواطن في الأجهزة الخدمية فالمواطن لم يعد يرغب بعلاقة وحيدة الاتجاه، لكنه أصبح ينشد علاقة تشاركية يُساهم فيها باتخاذ القرار وتقييم مستوى الخدمة للمؤسسات ولعل هذا هو أحد أهم معايير الحوكمة عالميًا وهو ما تسعى إليه أنظمة الجودة من خلال تقليص فجوة الجودة ما بين ما تقدمه المؤسسة وما يرغب به المواطن.

** متخصص في مجال الجودة والمخاطر

تعليق عبر الفيس بوك