حوار الشباب

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

الشباب مورد الأمة، وأمل البلاد، حاضرها الزاهر الذكي، ومستقبلها المتقد بالعزيمة والعطاء، والمتوقد بالبذل والفداء، هم عتادها وعدتها، وذخرها وسندها، ولا خير في أمة لا تهتم بشبابها، ولا ترعاهم الرعاية التي تمكّنهم من القيام بدورهم، وهم بحمد الله تعالى في المكانة التي يستحقون، وكلنا ندرك الحرص السامي لمولانا جلالة السلطان المعظم للاهتمام بالشباب وتقديم كل لوازم البناء والتنمية لهم كأفراد، ومن ثمَّ كبناة للمجتمع ينهضون بدورهم الوطني، وواجبهم المجتمعي.

"وسوف نحرص على الاستماع لهم".. هكذا أراد مولانا السلطان وقد عناها بقوله الكريم: الاستماع، ومعنى ذلك أن يُنصت لهم كامل الإنصات، وأن تَحضُر كل الجوارح عندما يتحدث الشباب، وأن يتلقى الطرف الآخر حديثهم بقلب حاضر مستمع، وحضور دائم، وإصغاء يعقبه تنفيذ ومتابعة.

والاستماع للشباب أمر ضروري؛ لأنهم أكثر المجتمع عددا، وأقدرهم بذلا، وأوجبهم قياما بالمهام الصعبة، وأكثرهم تحملا للصعاب، وتقلبات الدهر، وحوادث الأيام، ولأنهم مستحقون لكل اهتمام، محتاجون لكل رعاية وعناية، معوّل عليهم الكثير والكثير مما تطمح إليه الأوطان، ويترقبه بنوها في مجال التقدم والرفعة، وتحقيق المنجزات.

إننا جميعاً نتابع بسعادة غامرة، وفرحة كبيرة الحراك المجتمعي والحوار الشبابي الذي وجه به مولانا السلطان- حفظه الله ورعاه- وهنا أطرح تساؤلا أراه مهما: ما هو الحوار الشبابي الذي نريد؟ وكيف نصل إليه؟ وما الأدوات الممكّنة لذلك؟ وما مستوى التمثيل الذي نطمحه، والمشاركة التي نرجوها من الشباب؟

وللإجابة على هذه التساؤلات من وجهة نظري، فإنه عند حوار الشباب لابُد من الابتعاد عن الاعتبارات البروتوكولية المُعتادة؛ فهذا ليس حفلا أو استعراضا أو افتتاحا، وإنما نقاش يحتاج إلى قرب وتواصل قد تمنعه البرتوكولات الرسمية، وتحد منه المقاعد المحددة، وتحول دونه اللقاءات التقليدية، كما إنه لا مجال للانتقاء فيمن يحضر، ولابُد من إتاحة المجال للمشاركة لأكبر قاعدة شبابية ممكنة، والأمر متاح تماماً في ظل توفر وسائل الاتصال والتواصل الحديثة التي يمكن استغلالها الاستغلال الأمثل في مثل هذه الحوارات التي تحدد مسارنا الوطني، وتفعّل دور شبابنا العماني الفتي، كما أنه لا بد من الحرص على الذهاب إليهم حيث يوجدون، وإن تعددت الزيارات، مع تنوع في الزائرين المستمعين من حيث المهام والأدوار.

هذه أمور لابُد منها إذا أردنا حوارًا شبابيًا فاعلًا منتجًا، بعيداً عن الشكليات، ومجردًا من الرسميات، وبعد هذا فالحوار الذي نريده هو الحوار القائم على محاور واضحة ومحددة تنطلق من رؤيتنا الوطنية، وتنسجم مع أهدافنا المستقبلية، وتقترح حلولًا لمختلف الإشكالات المجتمعية، حوارًا يصنع جيلًا، ويؤطر مستقبلًا، ويبني مرتكزًا ثابتًا لغد مشرق، حوارًا أساسه الشباب وأداته الشباب وأركان تحقيقه الشباب، حوارًا كما أراده مولانا السلطان.

إنَّ هذا الحوار نصل إليه من خلال حسن الاستماع، واتساع رقعة المشاركة، وسعة الوقت الممنوح للشباب، وموضوعية الطرح، وشفافية النقاش، ووطنية المسؤوليات، وعُمانية التعامل رقيا تفاعلا ومنهجا وسلوكا، نصل إليه من خلال الوصول للشباب حيثما وجدوا، والسعي إليهم سعي من أراد رفعة الأوطان وتمكين الشباب، ووضعهم حيث يستحقون.

أما الأدوات الممكّنة لذلك فكثيرة وعديدة، ومن أهمها حلق النقاش، والمقابلات، وورش العمل، وهذه تعطي الشباب فرصة للتفاعل، والديناميكية التي تستخرج اللآلئ الكامنة بين جنباتهم، وتستخلص الأفكار المبدعة للمستقبل المنشود، في قالب نقاشي حواري معتمد على تبادل المعرفة، وتداول المعلومات، ساعيا إلى تحقيق الأهداف بكل منهجية علمية، ورغبة صادقة، وعزيمة أكيدة.

وأما التمثيل الذي نرجوه؛ فهو تمثيل الجميع، وإن بدا ذلك صعبا؛ فهو ليس مستحيلاً مع رغبة الحوار الجاد، ويمكن بشيء من حسن التنظيم، وجدولة محددة الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، تمثل المجتمع الشبابي، بعيدة عن الانتقاء، والتمثيل النخبوي الذي غالبا ما تأتي نتائجه غير معبرة عن الواقع، وقد تذهب بنا نحو مسارات لا تُحقق الهدف السامي من هذا الحوار.

وهنا رسالة للشباب العماني؛ فالكرة الآن في مضربهم، وأمر المشاركة الفاعلة رهن بجميل حضورهم، وحسن استعدادهم، ومنطقية حديثهم، ومنهجية حوارهم، وقبل هذا وذاك، تركيزهم على أن الحوار رغبة سامية، وأمر سلطاني، وبالتالي فلا مجال للمجاملة، ولا بد من الوضوح والشفافية، وأن تكون عمان أمام ناظر كل منهم، مع الأخذ بعين الاعتبار ألا تجاوز لحدود النقاش، والالتزام التام بأدب الحوار، وهذا سمت عُماني لا يمكن أن نحيد عنه، وكما أقول دومًا، وسأظل كذلك؛ فالشباب العماني نتاج بيئة تربوية ناصعة البياض، ونبت تربى في تربة رويت بماء المكرمات، وسمدت بعرق المخلصين، وهبت عليها نسائم الماجدين، وشبابنا أوراق مجد يانعة، على أغصان عز ماثلة، تحملها جذور راسخة، وتسمو بها أنفس عزيزة أبية سامقة.

حفظ الله تعالى وطننا الغالي عُمان شامخًا مصانًا، وسُلطاننا المُعظم مطاعًا مهابًا، وأبناء وطني كرامًا أباة غرًا ميامين.