فاطمة الحارثية
إنَّ أسرع الطرق وليس الحلول هي التراشق بالتهم والتذرع بالفساد، عند أية كارثة أو فجوة أو جهل في أي أمر محيط أو حدث لا يخدم مصالح خاصة، أو قرارات فردية خاطئة لا يرضى من أحدثها الاعتراف بخطئه؛ وعند التعمق في مفهوم الفساد "المتداول" أجده مضيعة للوقت وبرهان للجهل ونقص الوعي، وكثيرًا ما أرى أن جماعة الإصلاح أو لنقل بصيغة أدق "خبراء الفساد"، لديهم قائمة طويلة للأخطاء "المجانبة لمصالحهم الشخصية"، ولا يُوجد على قائمتهم شيء يُذكر عن الحلول أو السُبل لتقويم ما تراه مصالحهم أنه فساد، ولا يوجد لديهم قائمة عادلة تتحدث عن إخفاقات الجانبين وسبل ردم العجز الإداري أو المالي أو حتى حلول مُبتكرة غير التطبيل والتشويه في منصات التواصل الاجتماعي.
أصبح سدل ستار التخطيط من الأولويات، من أجل مواكبة وتيرة التغييرات الاقتصادية، والتي يتبين المتابع للوضع الحالي، أن تلك التغييرات لم تعد تتوافق كثيرا مع محتوى الأسس التي قامت عليها الخطط والاستراتيجيات؛ وقد أكدت الكثير من الأحداث والتجارب السابقة أهمية الوقت، وانتقاء التوقيت المناسب في عمليات التنفيذ، مما يخدم ردم فجوات التنفيذ المتعارفة، وأيضًا الاستفادة من الفرص التي تحدث من حولنا خارج نطاق المخطط له، فالتغييرات السريعة والمتقلبة التي نلمسها ونتابعها هذه الأيام، تشكل تحديا حقيقيا لا يحتمل التباطؤ، والتذبذب الواضح، يُلزمنا وجود كيان مُعرف لإدارة المخاطر والتغيير الاقتصادي، وكما هو معروف؛ إن دورة التخطيط لابد أن تسكن فترة التنفيذ، ويكون تقييم تلك الخطط بعد الفترة المحددة للتحقق من العوائد المستهدفة وجني الثمار. نجد أن مرونة التخطيط مرتبط بالاستشراف الطويل الأمد، والكثير من الدراسات، يجانبها استثمار الفرص المتاحة بأقصى حد ممكن ودون تردد، فالتوازن بين الأعمال الطويلة المدى، وقنص الفرص هو المفهوم الحقيقي لإدارة الاقتصاد وتمكين العوائد من النمو المناسب لسد الثغرات.
تنظيم وتثبيت موارد التمويل، والاستثمار المتوازن يرفع من نِسب الاستقرار، ويُطيل من فترة الاستقرار أثناء التأثيرات السلبية التي قد نتعرض لها، مثل الأوبئة أو تقلبات الطقس أو غيرها من الظروف الاستثنائية. ومما يُعطي ثباتا وتمكينا لموارد التمويل، وجود ثقافة عامة بين مختلف الفئات، عن علوم الاقتصاد والتمويل وتاريخ التمويل لدى الأمم، والدول المختلفة، ومساهمة المواطن ودوره في هذه المحاور المختلفة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، مصادر التمويل في إنشاء البنية الأساسية، والخدمات، وغيرها من الأمور، التي بات الكثير من الناس يعتبرونها من المسلمات، ولا ينظرون إلى الجهد المبذول، ولا مصادر التمويل، ولا دور الناس فيها من أجل ديمومة تلك الخدمات، مما يُعمق من الفجوة بين الهيئات الرسمية والمواطن؛ علماً بأنَّ التثقيف ليس جُمل يتم بثها عبر وسائل الاتصال المختلفة، بل تكمن في غرز المفاهيم الصحيحة وتعليمها، عبر الهيئات التعليمية المختلفة أو عبر ثقافة العمل في المؤسسات والشركات والقطاعات أو غيرها من التجمعات المُستهدفة.
إنَّ وجود هيئة تنفيذية مستقلة، تعمل بعد اعتماد الاستراتيجيات والخطط، بما يخدم المراحل الأولى والمتقدمة من الاستراتيجيات بشكل متوافق، يُعد كفاءة نحتاج إليها، في زمن بات التغيير جزءًا لا يحتمل الإطالة في الوقت، أو التقليل من بذل الجهد بعذر عدم الوضوح أو التريث أو الأعذار المختلفة، فنحن في صراع واضح جدا "من أجل البقاء"، وكما هو متعارف أنه أثناء عمليات التخطيط، يسكن العمل وتقل الحاجة إلى الأيدي العاملة.
في المقابل نجد عكس ذلك أثناء وبعد التنفيذ؛ إذ إن وتيرة الأعمال تزداد والحاجة إلى الأيدي العاملة تبلغ أقصاها، وقد تكون هنا الكبوة لدى غير المخلصين ممن يقدمون مصالحهم، ومنافعهم على الصالح العام، غير واعيين بأن الصالح العام أنفع على المدى الطويل، من سلوكيات محدودة ومحفوفة المخاطر ومكلفة أيضًا؛ ويتعذرون بتكلفة العمالة الوطنية المرتفعة، وهذا بعيد جدًا عن الحقيقة، فتكلفة العامل العُماني لا شيء مقارنة بتكلفة العامل الأجنبي، علماً بأنَّ أداء العامل العماني سيتفوق على الأجنبي، إذا توفر لديه المعلومات والسلطة والثقة التي تُعطى للأجنبي.
نحتاج إلى تسليط الضوء، في مجال اقتناص الفرص، في الأوضاع المتضاربة، وتحويل الأوضاع غير المستقرة إلى فرص استثمارية إيجابية، ومما لا نختلف عليه أن قنص الفرص يحتاج إلى فريق خاص، يعلم ما عليه وله، مع خارطة عمل واضحة النتائج والتوقعات لبلوغ الأهداف، كما ويحتاج هذا الفريق إلى مهارات متعددة، مثل مهارات مقارنة البيانات، تحليل الصورة الكبرى، مرونة إيجاد الحلول البديلة بالتوافق مع التوقيت، وغيرها من المهارات والقدرات والمواهب، كما ويحتاج هذا الفريق إلى تمكين وتيسير مهامه، مثل تجاوز البيروقراطية واختزال الأعمال الورقية، وسلاسة الولوج إلى كل ما يخدم صناعة قرارات سريعة وذكية.
تدور عجلة التنفيذ في محيط التمويل، وشروط العقود المختلفة، وذكاء التنفيذي يكمن في قدرته على المفاوضة واتباع نهج وفن وتقانة التفوق في الأداء، للربط بين الاستراتيجيات والميدان.
*************
سمو...
لا نختلف في أهمية التخطيط، لكن الوقت المستغرق مرهق، وكثرة الأحلام والمفسرين واللاهثين أثناء التنفيذ، يُفسد الحُلم ونخرج بولادة مشوهة.