الروتين.. آفة قاتلة في مؤسساتنا

 

سالم البادي (أبو معن)

 

الخوض في تفاصيل الروتين ومفهومه لن يأخذنا طويلاً، فقد أصبح عالقاً في أذهان الجميع ونُسج على كل لسان لما يحمله من ثقل كبير على كاهل الآخرين، كما إن أول ما يتبادر إلى أذهاننا حين نذكر كلمة "الروتين" هو الملل والرتابة فيجتاحان عقولنا ويطغيان علينا سلبا؛ فالروتين هو ذاك الجمود اليومي الذي يسدل علينا بستائره غير منفكين من شوائبه وفوضى نفوسنا من أثره.

ويُعرف "الروتين" في علم النفس بأنه بذل الجهد الأقل للعقل ورتابةً للناس وخمول وإجهاد بذات الوقت للجسد، ومعاناة تصيب كاهل العامل وغير العامل على حدٍ سواء فلا يرحم ولا يجامل ولا يعير اهتماماً لكبير السن ولا امرأة عجوز أو رجلا معوقا أو غيره. وبعض علماء النفس صنفوا الروتين كمرض خطير، وأنه يمثل اختصارا لمرض نفسي أخطر منه وهو "الاكتئاب النفسي" حيث أجروا أبحاثاً وتجارب لتحديد تأثيره على حياة الفرد الشخصية والمهنية، حيث وجدوا أن الروتين اليومي يؤدي إلى جمود في العلاقات وخلق مشاكل جمَّة نتيجة التراكمات الناتجة عن روتين مُعين، مع عدم وجود أفكار للتجديد، وفي محيط العمل فإنَّ غياب مفعول النشاط الذهني والحماس بالإنتاجية من الآثار السلبية التي تؤدي إلى فقدان الإبداع في العمل.

وتكرار الأعمال اليومية للموظف أو العامل ومعاناة اليوم الطويل للمواطن أو لغير العامل في إتمام معاملة معينة ما هما إلا بيئة خصبة للروتين.

مواجهة الروتين

إن من المخاطر التي تهدد مصالح المواطنين وتهدف إلى عرقلتها وتعقيدها وتأخيرها، وتكون عائقا رئيسيا في تطبيق الحوكمة وسرعة الدخول للحكومة الإلكترونية هي تفشي ظاهرة "الروتين"بين أروقة المؤسسات الحكومية والخاصة والتي تلعب دوراً هامًا في شل حركة التطوير والتحديث في الجهاز الإداري للدولة، وتعتبر هذه الظاهرة هي أشد ضراوة وقساوة من بقية الظواهر؛ فالمواطن يبحث عن العيش السعيد والحرية والعدالة الاجتماعية، وهذا لا يتم إلا بالقضاء على ظاهرة "الروتين". وأيضًا ضعف تفعيل القوانين والأنظمة والتشريعات في الواقع، أدى إلى نشر ثقافة "الروتين" والتي تسببت في تعطيل مصالح الناس، بل وتهدد مستقبل حياتهم. وفي كل مؤسسات الدولة نجد هذا الروتين المعقد والمعطل والمؤخر لمصالح الناس لا يُحقق سوى تعطيل المصالح وإصابة الناس بالإحباط الشديد والإرهاق والتعب ويكون سببًا في مُعاناتهم ومآسيهم.

الروتين الممل

"الروتين المُمل" بمثابة فيروس يُصيب منظومة الخدمات العامة والخاصة التي تقدم خدماتها للجمهور وهو فيروس مضاد لتحقيق طموحات وآمال المواطنين من أجل الوصول إلى حياة أفضل وأسعد وأرحب، ويكون سبباً في تدمير جميع السبل والخطوات التي تخدم مسيرة التقدم والتطوير في أجهزة الدولة. وحتى نتصدى للروتين الممل، لابد من خطوات جريئة من قبل الحكومة في منع انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية، والقضاء على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الوطن والنظام العام، مع ضرورة تفعيل الأنظمة والقوانين والتشريعات.

سلبيات الروتين وعواقبه

قبل البدء بطرح السلبيات والعواقب لابد أن نستذكر مقولة "لكل قاعدة شواذ"؛ فهناك فئة قليلة من المبدعين والمفكرين كان الروتين بالنسبة إليهم إيجابيا" قبل أن يكون سلبيا" حيث ساهم في إبداعهم وعطائهم، ومثال على ذلك الروائي الياباني موراكامي، والذي أنجز روايته معتمدًا على روتين يومه الذي زينه بطاقة إيجابية حين أضاف إليه نشاطاً رياضيًا يوميًا نقل سلبية الروتين الى إيجابية الروتين.

وعندما نخوض في سلبيات الروتين فإننا نذكر روتين المؤسسات والدوائر الحكومية، فهو هنا يشكل:

أولا: عائقا يحول دون إنجاز المعاملات أو مراجعات المواطنين.

ثانيا: الروتين يفتك بأسلوب الموظف الصغير حين يتحكم به أثناء تعامله مع المُراجعين بمزاجيته وسلبيته، حيث دنا الروتين من الموظف فجعله في ملل ورتابة انعكست على المراجعين طالبي الخدمة.

ثالثا: هدر الوقت؛ حيث تأخذ عملية إنجاز معاملة واحدة ساعات ولربما أيام فيسلب وقت المراجع.

رابعا: إسراف المال على المعاملات بما يتضمنه من تصوير وثائق وأختام وشراء طوابع وتوقيعات برسوم من دائرة لدائرة ومن موظف لموظف.

خامسا: الجهد البدني والإنهاك والملل الذي يصيب المراجع لساعات طويلة وربما لأيام وهو يتنقل من مكان لمكان ومن وقت لآخر حتى ينجز معاملته.

سادسا: التأثير النفسي السلبي الذي يتخبط بالمراجعين والذي صنعه واقع الأمور التي ذكرت أعلاه.

المأساةٌ الحقيقية هي عندما نتحول مثقلين نفسيًا" وفكريا"وجسديا وماديا" لإتمام معاملة بسبب الروتين الإداري والتشعبات الادارية والتي تشكل نوعاً من الفساد والقهر للمواطن بنفس الوقت. وتحتاج الحكومة إلى أن تكون أكثر استباقية في تضييق الخناق على الفساد وإزالة الروتين الممل، وأن تبذل مساعي أكبر لأجل نشر ثقافة التكنولوجيا الذكية‏ بين المجتمع.

وفي هذا الصدد فقد أثبتت شبكات الإنترنت أنها أداة فعَّالة للحد من الفساد، حيث حقق استخدام برامج الإنترنت لتسهيل تعامل الحكومة مع المجتمع المدني ومجتمع الأعمال نجاحاً كبيراً في مجال تحصيل الضرائب، والمشتريات العامة. ودولة تشيلي هي أحد البلدان التي استخدمت أحدث التقنيات لخلق أحد أكثر نظم المشتريات العامة في العالم.

فما هي الحلول الناجعة لتفادي الروتين وتحسين الأداء لتسريع الإجراءات الحكومية؟ لابُد لنا أن نعترف بأنَّ المنطقة الشرق أوسطية قد أصابها الروتين الإداري في دوائرها الحكومية وتشعباتها الفنية في كافة أنظمتها فأصبحت آفة قاتلة للوقت والجهد والمال والنفس، وبالمُقابل فإنَّ الدول الغربية والمتحضرة قد سارعت في خطواتها منذ زمن بعيد في التصدي لهذا الروتين الإداري بفضل قفزات التقدم العلمي والتقني في إنجاز المُعاملات بوجود نظام الحوكمة الإلكترونية الذي لا يأخذ من المواطن إلا القليل من الوقت عبر دخوله الموقع الإلكتروني للمؤسسة الحكومية لإنجاز معاملته بحيث يستلمها بأقل جهد وبأسرع وقت وبأقل كلفة.

إنَّ الروتين الإداري في مجتمعنا ما هو إلا حالة من الفوضى ومُعاناة في حياة المواطن فلابد من تحريره منها وإزاحة العبء عن كاهله، ولا يتأتى ذلك إلا بنظام "الحوكمة الإلكترونية" حتى نسير بركب الدول المتحضرة. ولابُد من العمل على تقليل العامل البشري واستبداله بتقنيات حديثة وسريعة الإجراء والتنفيذ ضمن الحوكمة الإلكترونية. كما يجب إدخال الحكومة الإلكترونية والبرمجة الحديثة كمساهم فعَّال ورئيسي في حل عدد كبير من سلسلة المراجعات. ويتعين أيضًا الإبقاء على القليل من العوامل البشرية، فالنظام الإلكتروني لا يسري وحده بشكل تام فقد يحتاج لرقابة ومتابعة وصيانة دورية، وإعادة تقييم التطبيقات أولاً بأول لتصبح ذات مرونة أوسع ومخاطر أقل وجودة أكبر، وضمان استمرارية التطبيقات واستدامتها بحيث لا يكون فيها أي خلل وتكون مُقاومة لعمليات الهكر. وربط التطبيقات الرقمية بمنظومة واحدة عبر المؤسسات والتشعبات الحكومية لتشكل سلسلة متصلة ببعضها البعض. وأن تراعى في طياتها المعايير الدولية بكافة المواصفات لتصل لمستوى عالمي.

هنا لابد أن تكون هناك منظومة وطنية متكاملة وشاملة ضمن الحكومة الإلكترونية والحوكمة الإلكترونية ووضعها في بوتقة واحدة لتقديم أفضل وأجود الخدمات الإلكترونية وأسرع وأقل كلفة وأكثر سلاسة وبكل سهولة وذلك لتحقيق والوصول إلى التنمية المستدامة بما يحقق طموحات المواطن والمقيم على أرض السلطنة.

وختامًا.. إنَّ اتباع مبادئ الحوكمة الإلكترونية الذكية بجميع سياساتها ما هو إلا هدف منشود لنقطة تحول السلطنة لسياج مبني على المعرفة التقنية المعلوماتية والاتصال في جميع نواحي الحياة وأبرزها التخطيط الآمن لتقديم الخدمات الإلكترونية بأعلى مستوى عالمي.