أحمد بن خلفان الزعابي
حبا الله بلادنا عُمان بالعديد من الأودية التي تُعتبر ممرات طبيعية لتصريف مياهِ الأمطار؛ حيث لدينا في مُحافظة شمال الباطنة العديد من الأودية التي تنبع من رؤوس الجبال وتتجه نحو البحر.
سنعبر اليوم معًا أحد أشهر أودية ولاية الخابورة إنه وادي الحواسنة الذي يرتبط جغرافيًا بالعديد من الأودية الأخرى كوادي بني عمر بولاية صحم ووادي الجهاور بولاية السويق ووادي بني غافر بولاية الرستاق والوادي الكبير بولاية عبري والتي تتشابه معالمها إلى حدٍ كبير.
أنا شخصيًا أعبر هذا الوادي في الكثير من الأحيان خلال انتقالي من مقر إقامتى بولاية صحم متجهًا نحو مقر عملي بولاية عبري، وبالرغم من أن الكثيرين لا يفضلون هذا الطريق لأنهم يعتبرون السياقة خلاله صعبة، إلا أنني على العكس تمامًا لأنني أعتبر المرور بهذا الوادي رحلة استجمام لكوني أعبره فقط خلال النهار الذي يتيح لي الاستمتاع بتلك المقومات السياحية الجميلة التي تتمتع بها قرى هذا الوادي الذي يشدني خلال عبوره تمازج الطبيعة مع التراث، حيث تلك البساتين الغناء والنخيل الباسقات وقطعان الماشية المتسلقة للمرتفعات أو التي ترعى في تلك السهول بالإضافة إلى جداول المياهِ التي تعبر ذلك الوادي فيما نطلق عليه محليًا "الغيل"؛ حيث إنَّ بعض مقاطع الوادي يجري خلالها الغيل طوال العام بالإضافة إلى التكوينات الجيولوجية كالكهوف والمغارات والتراث الحاضر المُتمثل في التحصينات الدفاعية التاريخية كالقلاع والحصون والأبراج المتناثرة على قمم الجبال وكل تلك المناظر الخلابة تجبرك على السياقة بتأنٍ والتوقف أحيانًا للاستمتاع بكل ذلك الجمال خلال عبور الوادي من قرية الغيزين مرورًا ببقية القرى وصولاً حتى قرية العيانة.
قبل أسبوع وأثناء عبوري هذا الوادي، وجدت الطريق مختلفًا، ليس الذي عهدته؛ حيث إن المزارع التي على ضفاف الوادي كانت قد جُرفت ولم أشاهد النخيل في أماكنها؛ بل إن بعض الأبراج التاريخية قد تهدمت بشكل جزئي، إضافة إلى تأثر بعض المنازل وإنجراف الجسور التي كانت على معابر الوادي. وما شدّ انتباهي كثيرًا هو استقرار أحد الجسور بالقرب من قمة أحد الجبال الأمر الذي يُعطي رسالة بأن ما مرّ هنا ليس بالأمر الهيّن، كما إنَّ الطريق أصبح وعرًا وخطيراً ولا يمكن عبوره إلا بواسطة مركبات الدفع الرباعي فقط، بالرغم من الجهود المبذولة لإعادة فتح الطرق، وهنا أيقنت أنَّ الإعصار شاهين قد ترك بصماتٍ وشواهد حية تجسدها معالم ما بعد شاهين في كل مكان تحكي للزائر تفاصيل ما حدث في يومٍ وليلةٍ كانت قد شهدت هطول أمطار غزيرة نتج عنها حدوث طوفان كبير.
لا شك أنَّ أضرار الأنواء المناخية كبيرة، لكنها مسألة وقت وستعود الحياة أفضل مما كانت عليه؛ فمؤسسات الدولة ستواصل البناء، والمواطنون لن يتوقفوا عن العمل من أجل إعادة الحياة لقراهم ومزارعهم لتعود غناء وارفة الظلال تسر الناظرين، وسيعود الوادي بجماله ليستقبل زواره من كل مكان.