الإفلاس الإعلامي

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

يعني الإفلاس فقدان الشيء والتحول من موقع الخصب إلى الجدب ومن حالة اليسر إلى العسر وما شابه ذلك من معاني الفقدان، ويحمل ذلك المعنى غياب الاحترافيه وزوال الإتقان وعدم المقدرة على تأدية المهام المنوطة أو الموكولة لصاحبها، والإفلاس لا يقتصر على اتجاه أو جانب معين، فهنالك إفلاس سياسي، قانوني، عقائدي، ثقافي، فكري وغيرها.

والإعلام يقع ضمن معاني الإبلاغ والإفادة ونقل المعلومات ووسيلة اجتماعية. وهو مفهوم يطلق على قنوات الاتصال المستخدمة لنشر الأخبار أو الإعلانات أو البيانات أو الترفيه. ويعد الإعلام قطاعا ذا أهمية كبيرة وفاعلية نشطة وهو محرك أساسي في التنمية الشاملة وأحد ركائزها، ويمثل الوسيلة المباشرة لفتح قنوات اتصال مع الجماهير والمجتمعات. كما يعد سلطة إضافية مهمة بجانب سلطات الدولة، وأطلق عليه كثيرون اسم "السلطة الرابعة" (بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية)، فهو منبر حرية الدول وصوت شعوبها وفكر حكوماتها ونبض مجتمعاتها.

لقد اقتصر الإعلام سابقاً على أعمدته الثلاث الصحافة الورقية والإذاعة والتلفاز، لكن مع الامتداد التكنولوجي أصبح الإعلام يتخذ خطوات الاتساع في مساحته من خلال شبكات الإنترنت، فظهر الإعلام الإلكتروني في شتى وسائل التواصل الاجتماعي، والذي تجاوزت قاعدته الشعبية مستوى العالم من خلال التحليق بالإعلام في الفضاء الخارجي الافتراضي.

إن الإعلام هو المغذي الرئيسي للمجتمع بالمعلومات والحقائق والمستجدات على مستوى محلي وعالمي. وهو المصدر المورد للشعوب في الوقوف على كافة المستجدات لمختلف الأصعدة؛ فبذلك فهو صاحب الدور الكبير والمسؤولية العظيمة وحامل الأمانة الكبرى على عاتقه رسمية كانت أم غير رسمية، وممثل شرعي وقانون بحد ذاته للرأي العام.

كما إنه يحمل الرسالة السامية التي يهدف من خلالها لتنمية الوعي الثقافي والمعرفي والفكري وذلك من خلال نشر الأنباء والأخبار وتداول مختلف المعلومات بين أفراد المجتمع، وهو وسيلة ترفيهية لعدة مجالات كالرياضة والفن بشتى أنواعه. كذلك يحمل الإعلام في طياته التركيز وتسليط الضوء على جوانب أخرى سواء كانت دينية أو اقتصادية أو سياحية أو تجارية.

ويتضمن الإعلام جانب الترويج والتسويق الذي كان له النجاح في شبكة المعلومات العالمية. وحتى يكون الإعلام في المنحنى الصحيح لابد من الشفافية والمصداقية والحيادية والاحترافية المهنية وأن تتوفر له كافة الإمكانيات والموارد حتى يتسنى له أداء مهامه وواجباته وإيصال رسالته السامية.

إن إتلاف الهوية الحقيقية للإعلام بفقدان ركائزه الأساسية وانعدام الاحترافية والاتجاه في ركب الانحياز والدخول في منهج استراتيجية هابطة المستوى والمحتوى والتي تؤدي لقصور فكري وسقوط في منحدر الإفلاس الإعلامي فتصبح رسالة الإعلام فارغة بلا محتوى.

والإفلاس الإعلامي يتمحور في السيطرة عليه من قبل بعض الأنظمة فيصبح إعلامًا تابعًا وليس حرًا، فهناك في بعض الدول أنظمة مسعاها لا أخلاقي؛ حيث عدم احترام القيم والمبادئ الأخلاقية لمهنة ورسالة الإعلام الحر، مما يؤدي إلى الانحدار والسقوط والانتكاسة مهنياً وأخلاقيًا، وبذلك فقدت الدور الثقافي الإعلامي وبرزت انهزامية دولة الجنرالات نفسها، كذلك سيطرت جهة معينة على الإعلام بما يتناسب مع سياساتها.. وأيضا التجاهل التام في بعض الإعلام لوقائع وأحداث مقابل إظهار أخبار أخرى لمصلحة جهة معينة مسيطرة. وأيضًا فبركة الأخبار وتوظيفها بما يتناسب مع أصحاب النفوذ.

وكل ما سبق يظهر مدى الإفلاس الإعلامي.

ومن يعي ويدرك حجم مسؤولية ودور الإعلام الحر يضع نصب عينيه الإعلام وبروتوكولاته ومبادئه وقيمه والتي ترتكز على الشفافية والحيادية والجرأة في التعامل مع الأحداث وفق ظهورها.

وفي الختام فإنَّ الإفلاس الإعلامي والإفلاس السياسي ما هما إلا سلسلة مترابطة في ذات التشكيل الدائري، فإن صلحت السياسة واستراتيجيتها وقامت على مرتكزات أساسية وسليمة فذلك حتمًا يؤدي إلى إعلام صالح نزيه.. ومكانة الإعلام نستمدها مما يحدثه من تأثير في الأفراد والمجتمعات.