شلل المعايير

 

فاطمة الحارثية

 

اختلطت على النَّاس المعايير الموضوعة، لأسباب عدة، ربما لأن صانعها؛ يُدرك نقصها، وربما لأنه ورث وقلّد الكثير منها ويعلم قصورها، والمؤسف أن وصلت تلك المعايير عند البعض إلى درجة القَدسية، والبعض الآخر يعتقد باستحالة تغيير تلك الأمور أو التجديد أو الإتيان بغيرها، حتى إنها وصلت ببعض الأقوام أن يعاقبوا من يحاول تغييرها أو الخروج عنها!

هنا أستطيع أن أقول، إن معظم المعايير البشرية، قادت البشرية إلى شلل تام في حياة الفرد ووجوده وحتى عمله، أي أنها تقودنا إلى زوال. اقتبس هنا قول المكرم حاتم الطائي: "الجميع له دور فعَّال وإيجابي يساهم فيه، لا يمكن أن نلوم مواطنا لا يعرف رسالته وأهداف وجوده في موقع عمله... كل عضو يجب أن يعي بشكل تام وواضح مهمته".. ولذا فإن حبل النجاة هو الوعي والإدراك، وإن سعي كل فرد على هذه البسيطة، يُعد واجبا يقيه ويقي المجتمع من الشلل والعجز.

من المهلكات، بحث الناس الدائم، أثناء رسمهم السيناريوهات المختلفة والتخطيط، وقبل الشروع بأداء عمل ما، عن من سيقع عليه "اللوم" في حالة الفشل وهذا تخطيط واضح للفشل وليس التنمية، بحجة درء غضب الناس أو المتلقي السلبي، ولا أراه إلا فكر مُدمر للأعمال وواقع "جبان"، في المقابل، إن توكل واجتهد، وأدرك تمام ووضوح مهمته، لما أضاع الوقت، والجهد في البحث عن "اللوم" ومعايير تقود إلى شلل ينهار به العمل بسبب "خوفه". عندما نوقن ألا عمل فاسد أو فاشل، لكن يحتاج إلى التوقيت المناسب لتطبيقه، وإلى خلق الظروف والمحاكاة المناسبة، لتغيير كل فشل إلى نجاح مُحقق. نحن لا نحتاج إلى صناعة القرارات المناسبة، بل إلى صناعة الظروف التي نُحقق بها الأهداف، والتأثير الذي نكتسب منه الأداء الناجح والتأييد المطلوب، بعيدا عن ضوضاء التواصل الاجتماعي وعملاء المنفعة الخاصة؛ ومن التأثير والتأييد الذي أقصده، هو التوافق والتوازن في عمليات جني الثمار وتحقيق النتائج، إذ ليس علينا أن ننتظر النتائج إلى نهاية العمل أو المشروع، فالفكر المبتكر يعي أهمية خطة سلسلة جنى الثمار المستمر وليس التراكمي، أي نرفض مفهم "العبرة في النهاية"، لأن لا أحد يضمن أن يصل للنهاية، ونستحدث فكر ابتداع خطط واستراتيجيات تُحقق الأهداف بشكل تسلسلي وتصاعدي من أجل عموم الفائدة فيه.

إن الإعلان عن التغيير الذي يصحبه انتظار ما، هو شلل آخر للعمل والإنتاج، فليس كل أمر أو تجديد يُجب الإعلان عنه، فالموظف مُدرك لتأثير الزمن عليه وعلى ما يصبو إليه، وواقع الكثير من الشركات الحالي، باتت الإدارات "تُسمع الناس جعجعة ولا نرى طحينا"، خطط تتبعها خطط لصناعة خطط جديدة أو ابتكار خطط، فأين التنفيذ يا سادة، ولماذا كثرت الخطط وقل العمل وفقد الناس وظائفهم؟ هل زاد مخرجات علوم التشدق/ الكلام عن العلوم المهنية والتطبيقية؟ الكثير من الناس الآن يحومون حول الأفكار والخطط والحلول، وأين أنتم يا سادة عن دائرة التنفيذ والتطبيق والإنتاج، إذا الجميع سيفكر فمن سيحمل المعاول؟.

متى سيقف إرث المعايير؟ متى سنحلق بدون قيود "اللوم"؟ متى سندرك المتعة الحقيقية ولذة الحياة؟ إن المعايير اخترعها إنسان آخر مثلك، ربما تكون أكثر ذكاء منه، والأكيد أن مصلحته أثناء صياغة تلك المعايير، تختلف تماماً عن مصالحك وظروفك، لماذا يجب أن أكون ضمن قائمة الأوائل (قائمة وضع معيارها إنسان ناقص)، وليس ضمن مجتمع الأمن والسلام بدون شلل المعايير، بل من خلال ما يناسبنا نحن كمجتمع، نحن لسنا في عرض عالمي أو دولي، نحن في صراع البقاء، فليس هم من في وضعنا وظروفنا وآلامنا، وليس بالضرورة أن ما يُسعدهم وينفعهم له ذات الأثر علينا. أن ننافس أنفسنا، ونهزم المُعوقات التي وجدت في ظروفنا الخاصة، ونرتقي بذكاء وحكمة، لهو الخير لنا من التقليد الأعمى والحيرة وتراكم المشكلات.

سُّمو..

كم هزئت وسخرت من بعضٍ حاولوا تقليدك، فلماذا تسمح للحال أن يدور عليك؟ كن أنت ولا تكن غيرك، ألمك استوطن جسدك أنت، حزنك يُدفئه قلبك لا يد غريبة!