مُترجمات عُمان في يوم المرأة

 

عَزّة بنت عبدالعزيز الهِنائية

ننظر نحن العمانيات إلى يوم السابع عشر من أكتوبر في كل عام، بالكثير من العِزٍّ والتقدير على اعتبار أنَّه يوم يُؤكد الاهتمام الكبير الذي أولاه السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وتأكيد عميق الدلالات أيضًا لما يوليه حضرة صاحب الجلالة السُّلطَانُ هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والسَّيِّدَةُ الجَلِيلَةٌ- أكرمها الله وأعزها- بالمرأة العمانية.

وإنه لمن يمُن الطَّالِعُ أن يتزامن يوم  الْمَرْأَةُ الْعُمَانِيَّةِ وأبناء عمان الأوفياء  يخطون سطرًا من التلاحم الوطني المشرف الذي سيؤرخ في تاريخ عماننا العظيمة، فمشاهد اللحمة الوطنية التي تلت الحالة المدراية "شاهين" يقشعر منها الجسد ويقف لها الإنسان إجلالًا وإكبارًا، ومن هذا المبدأ الرفيع والنبيل، فإنني كعمانية- وكل عمانية- نتشرف بأن نرفع أسمى وألطف آيات التهاني والتبريكات للمقام الجليل للسيدة الجليلة- حفظها الله- وأتوجه بتهنئة نفسي ونساء المجتمع العماني أجمع بيومنا هذا وسائر أيامنا؛ فنحن نفخر ونفاخر كوننا نساء عمانيات ونقف بشموخ وثبات ورسوخ على أرض عماننا الطيبة. كما إننا نعزز حرصنا كعُمانيات على مواصلة العطاء بتحقيق المزيد من الإنجازات والتقدم بكل عزم وإرادة وتفان في ظل القيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق واقتداءً بسيدة عمان السيدة الجليلة عهد حفظهما الله ورعاهما وأسرتهما الكريمة.

وأود بهذه المناسبة أن أشير إلى مناسبة أخرى أرغب في ربطها بيوم المرأة العمانية، ألا وهو اليوم العالمي للترجمة الذي يُحتفل به كل عام في 30 سبتمبر، خاصة وأننا جموع المترجمين ما زلنا نأمل مزيدًا من الاهتمام والرعاية والتنظيم، وقبل أن أعرج بالتفصيل على الفكرة، انتهز الفرصة لأقدم أصدق التهاني لكل مترجمة ومترجم في عُمان والعالم، وأيضًا الشكر والعرفان لأساتذتي في الجامعة وفي الحياة المهنية، الذين لطالما أنهل من علومهم ومعارفهم، فنحن معشر المترجمين "رُسُل اللغة بين الشعوب"، وهذا وصفٌ توصلتُ إليه بعد طول بحث وتعمق في ماهية المُترجم ودوره الحضاري. فكل عام والمترجمون هم الوهج الذي لا ينطفئ، وجسور التواصل بين الشعوب.. يا معشر المترجمين أنتم الصوت الذي لابُد من الإنصات له كي يفهم ويستوعب بنو البشر بعضهم البعض، ولقد أبدع المؤلف الجزائري عمارة لخوص حين وصف عملية الترجمة بأنها "رحلة بحرية من ضفة لأخرى".

وأقول إن الترجمة هي قنطرة للتلاقح بين ثقافات الشعوب، وهي فن من فنون الحياة التي لا غنى عنها، ولو تتبعنا أقدم الترجمات المهمة، لوجدنا أن ترجمة أجزاء من ملحمة «جلجامش» السومرية، إلى لغات آسيوية عدة هي الأقدم، فقد تمت ترجمتها منذ الألفية الثانية قبل الميلاد. ثم عرفت "الترجمة المنظمة" بعد الإسلام وفي زمن الدولة الأموية؛ حيث كان خالد بن يزيد بن معاوية على رأس جماعة مفعمة بالنشاط في مجال الترجمة، وفي العصر العباسي، راجت التراجم أكثر وأكثر بفضل اتساع الفتوحات الإسلامية، فترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة وغير ذلك من العلوم والآداب.

إن الترجمة مهنةٌ نبيلةٌ محورها نشاطٌ معرفيٌّ وفضاءٌ ثقافيٌّ وإبداعيٌّ، وتتجلى أهميتها في كونها تُفضي إلى تقارب الثقافات والشعوب حيث أن التقارب بين الثقافات والشعوب هو أحد أكبر مساعي عمان السلام بين الأمم. والترجمة مهنة تتسم بالإحترافية والتفنن في أدائها؛ فهي فن وحرفة لا يمتهنها إلا أصحابها، وهي فن عميق بديع يعتمد على إبداع المترجم وثقافته مع حسه اللغوي رفيع المستوى، وعملية الترجمة ليست مجرد نقل حرفي لنص ما من لغة لأخرى؛ بل يتوجب مراعاة دلالة القواعد اللغوية، والدلالات اللفظية، والمعلومة التي تحملها كل كلمة، وكلها على المترجم أن يرعاها؛ لذلك أصبحت للترجمة نظريات ومدارس، وتخصص دقيق يدرس في الجامعات والكليات والمعاهد حول العالم.

والمترجم العماني حريص كل الحرص على صقل مهاراته في الترجمة سواء بإقامة المحاضرات والورش والدورات والمشاريع الترجمية الهادفة التي تسعى لتطوير المهارات الترجمية وذلك للنهوض بحركة الترجمة سواء في المحيط المحلي أم الدولي.

وسعيًا لتشجيع وتحفيز ترجمة الإنجازات العمانية، شهدنا تنظيم  ملتقى المترجمين العمانيين الذي يسعى لاستقطاب جموع المترجمين العمانيين؛ حيث يقام سنويًا بتنظيم من شركة تنمية نفط عمان، وقد تكرم الدكتور هلال الحجري في الآونة الأخيرة بإطلاق مبادرة "ترجمان"، والتي تسعى للتعريف بالإنجازات العمانية الفكرية والثقافية في مجال الترجمة ونشرها لتوثيقها والتعريف بها. وقد أصابنا الحزن عند معرفتنا بتوقف المبادرة وعدم اكتمالها، لكن تظل كل تلك الجهود فردية، وتحتاج إلى العمل المؤسسي من أجل صقلها وبلورتها نحو ما يخدم حركة الترجمة ويعزز من مهارات المترجمين العمانيين. ولذا أؤكد أن مجال الترجمة بحاجة إلى دعم حكومي فذ؛ حيث إن دور المؤسسات الحكومية العمانية في تطوير حركة الترجمة أمر ينطوي على أهمية كبرى جدا، وخطوة ضرورية للارتقاء بهذا القطاع النابض بالحياة.

ومن هنا أناشد كافة الجهات المعنية بأهمية إنشاء مركز وطني للترجمة، يعمل على بلورة استراتيجية متكاملة للنهوض بالتراجم، التي لا ينبغي أن يظن البعض أنها تتوقف عند ترجمة الروايات العالمية أو كتب التنمية البشرية، وهي بالفعل مهمة، لكن أيضًا أن تنطلق مسيرة الترجمة كي تنقل لكل قارئ وباحث عربي، أحدث ما توصلت إليه العلوم الأخرى بلغات ليست عربية، كما إن من مهام هذا المركز أن يكون مظلة رسمية داعمة ومحفزة لعمل المترجمين، وأن يحظى بالدعم المالي والمعنوي من مؤسسات الدولة.

ما أحوجنا نحن المترجمين لكيان خاص ينظم عملنا ويحمي حقوقنا ويصقل من مهاراتنا وينور مسيرتنا، ويساعدنا على مواجهة تحديات الترجمة لنواكب الركب ونجاري تطورات العصر وننهض بهذا المجال القيم الثري؛ لأن عماننا تستحق أن تكون في مصاف الدول في المجالات الثقافية واللغوية والعلمية والفكرية.

وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يعيننا على تحمل هذه المسؤولية الملقاة على عاتقنا وأن يثبتنا في قيامنا بمهام الترجمة؛ فهي أمانة عظيمة علينا أداؤها بمنتهى الإخلاص والتفاني.

تعليق عبر الفيس بوك