سيرين القاضي.. عندما يتدفق النهر

أيمن علي مصطفى القاضي

حباها الله نعما كثيرة فائضة فتدفقت نهرا من العطاء ، ولعل أول هذه النعم  بأن ولدت في بيت يقدس التربية والتعليم ، لأب كانت رسالته الأهم في الحياة تربية النشأ وزرع الأخلاق الفاضلة في جيل الأطفال والشباب وحثهم على التحصيل العلمي والدراسة في كل الميادين ليكونوا رجالا صالحين ويشاركون في بناء الوطن والمجتمع.

فسيرين هي ابنة المربي الفاضل الأستاذ / علي بن مصطفى القاضي ( رحمه الله) – مدير المدرسة السعيدية بمسقط للفترة من العام  1953 إلى العام 1970م، والذي تخرّج من تحت يده العدد الكبير من رجال الدولة مع بداية عصر النهضة، ومن ثم  أصبح مديرالتعليم العام في أول وزارة شكلت في عام 1970م. ونظرا لخدماته التعليمية الجليلة ، تم تكريمه بالوسام المدني من الدرجة الثالثة. ولدت سيرين في الثاني والعشرين من نوفمبر 1957م في منطقة وادي الصغير في منزل العائلة مقابل مستشفى البعثة الأمريكية في مدينة مسقط وكانت بهجة نظر والديها لجمالها الطفولي وبرائتها المدهشة.  وعندما اشتد خطوها في الحياة  تلقت تعليمها الأولي عند المعلمة عصرية في دارها لحفظ القرآن الكريم، وأضافت المعلمة عصرية رحمها الله لمساتها الإيمانية مع ما كان يضيفه ويغرسه فيها  والديها على السواء من أخلاق حميدة وتواضع وطيبة  وحب خدمة الناس ، فتكاملت التربية ، وانسابت قطرات الأصالة والبساطة وحب عمل الخير، فكان والحال كذلك أن نشأت تحمل في خلجات الفؤاد والعقل رغبة المسارعة والتطوع الفوري في تقديم ما يمكنها في مساعدة الغير ودعمهم وتعلمت من ذويها كيفية الوقوف بثبات والتغلب على الصعاب والتقدم في مسيرة حياتها التعليمية.

وقد تلقت سيرين تعليمها الإبتدائي في بيروت – لبنان ، ثم أكملت دراستها الإعدادية والثانوية في أبوظبي  ثم دبي – دولة الإمارات العربية المتحدة – ليتم إبتعاثها بعد ذلك من قبل  وزارة التربية والتعليم في مسقط – إلى الجامعة الأردنية / عمّان –  للدراسة الجامعية .  وكان من البديهي أن يأتي إهتمامها بدراسة علم الإجتماع وأن تحصل في العام 1980م على شهادة البكالويوس آداب - قسم علم الإجتماع من الجامعة الأردنية. وكان من البديهي أيضاً أن تتقدم للعمل إلى وزارة الشئون الإجتماية والعمل في مسقط حسب تسميتها آنذاك، وانطلقت سيرين مندفعة  فور تخرجها تساندها تربيتها وطباعها وتخصصها العلمي  لتكون في خدمة مجتمعها  وتنغرس بالكامل من خلال موقعها الوظيفي في الاهتمام بشؤون المرأة والطفل والأسـرة ، ونظرا لنجاحها وحبها وانتمائها لهذا الوطن وتجذرها في مسامات ترابه الغالي وجدت تقديرا من وزارتها وكلفت بمناصب عديدة، فعملت في هذه المناصب:

● أخصائية شؤون المرأة في الفترة (1980-1982)

● رئيسة قسم الثقافة والإعلام ( 1982-1983) 

●  رئيس التحرير مجلة " العمانية" ( 1982-1986)

● نائبة مدير دائرة شؤون المرأة والطفل (1983 - 1985)

● مدير دائرة الدراسات والإحصاء (1985-1990)

● مدير دائرة الجمعيات والأندية الإجتماعية (1990- 2001)

● مدير عام لشؤون المرأة والطفل (2001-2008)

● مستشارة وزيرة التنمية الإجتماعية (2008-2017) قبل أن تتقاعد في العام 2017م،   إلا أن التقاعد لم يقف حائلا بينها وبين ما تحب  من بذل وعطاء فتعاونت مع  الجهات الرسمية والخاصة حسب إحتياجاتهم ومتطلباتهم من عون واستمرت سيرين  في متابعة العمل الاجتماعي  تطوعيا.

ومنذ بداية مسيرتها في العمل، أدركت سيرين أن عليها أن تضيف وتنمي قدراتها ومهاراتها فيما يساعدها للقيام بمهامها على أفضل وجه ممكن فالتحقت بدورات تدريبية عدة من مثل:

● إتمام دورة تدريبية في اللغة الإنجليزية (الفترة من 4/10 إلى 12/12/ 1980) من معهد الإدارة العامة – وزارة شؤون الديوان السلطاني.

● إتمام دورة تدريبية في المكتبات والتوثيق (الفترة من 28/2 إلى 25/3/ 1981) من معهد الإدارة العامة – وزارة شؤون الديوان السلطاني.

● إفادة تدريب من الإتحاد النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة – أبوظبي (بالتعاون مع اللجنة الإقتصادية لغربي آسيا – الأمم المتحدة ) 18-24 / 11/1981 

● إتمام برنامج تدريبي – التنظيم الإداري وتبسيط الإجراءات - معهد الإدارة العامة 24/10 إلى 11/11/1987

● برنامج تدريبي للمستوى  الأساسي في مجال إتخاذ القرارات الإدارية في 24/4/1996 من معهد ديلسي للتدريب.

● ورشة تدريبية " منهج عين الصقر في قيادة التغيير" في 25 إبريل 2010 من النخبة لتنمية الموارد البشرية بالتعاون مع اليونيسف.  وطوال مسيرة عملها ساهمت سيرين القاضي وشاركت في العديد والعديد من البرامج والندوات والفعاليات والإحتفالات في داخل السلطنة وكذلك في المؤتمرات في الخارج، ونالت شهادات شكر وتقدير من مختلف الجهات على جهودها المخلصة ومشاركاتها المتميزة ودورها الإيجابي في إنجاح هذه الفعاليات والإحتفالات  واستفادت  وأفادت عبر المشاركة في:

  ● مؤتمر الطفل العربي – تونس – 1980

● الندوة التقييمية لبرامج المسؤلية الوالدية – البحرين  - 1982 

● مؤتمر المرأة العالمي – نيروبي – كينيا – 1985 

● المسيرة النسائية  "من أجل الطفل المعاق"  1993 

● ندوة الإرشاد النفسي والمهني من أجل توعية أفضل لحياة الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة – مسقط – 1999 

● مشاركة بورقة عمل: إتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة / اتفاقية سيداو 2008 م

● حلقة عمل عن الإدارة الإستراتيجية للعمل التنموي الإجتماعي – صندوق الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف - 2008

● فعاليات الإحتفال بيوم المرأة العمانية " شريكة في التنمية " 2010- مسقط

● دعم مسيرة العمل التطوعي – 2011 – مسقط 

● إعداد اللائحة المالية والإدارية الإسترشادية للجمعيات 2016 – مسقط.

● إعداد خطة عمل وطنية شاملة – الإستراتيجية الوطنية لتقدم المرة العمانية -2016.

● ندوة حقوق الطفل - حملة " أنا أمانة " دور ومسؤولية جمعيات المرأة العمانية في بحث الطرق والمنهجيات التي تعزز التماسك الأسري – 2017 

● رئيسة الفريق المالي القانوني بجمعية المرأة العمانية بمسقط – 2018

● عضو الفريق الفني لجائزة عمانتل  "مبادرة " لجمعيات المرأة العمانية 2018-2019 

● يوم المرأة العمانية 2020 – شكر وتقدير من وزارة التنمية الإجتماعية .

إن عطاء سيرين القاضي وحبها لخدمة الناس لم يكن محدودا أو محصورا في مجال عملها الرسمي فقط؛ بل كان يشمل أسرتها الصغيرة في مسقط والمكونة من والد ووالدة وأخت وثلاثة أخوة، وكانت وفي جميع الأوقات متواجدة وحاضرة لتقديم النصح والدعم كما يلزم، وكان هدفها المستمر أن تعمل على صلة الرحم، فكانت تجمع وتقرب وتشارك في فعل الخيرات وفي كل ما يبعث السعادة والراحة والإطمئنان لكل فرد، ولم ينقطع ذلك في أي وقت؛ بل استمر وزاد بعد رحيل الوالد ثم الوالدة، وقامت وبكل الحب والطيبة مقام الوالدة حتى مع إخوانها الذكور الذين يكبرونها في العمر. 

ومن الطبيعي والحال ما هو عليه أن يكون لسيرين أكثر من أسرة وعائلة وأن يكون لها نخبة من الصديقات المميزات والعديد من المعارف والأصدقاء المقربين في مختلف المناطق والبلدان.  

إن سيرين بنت علي  القاضي هي واحدة من بين كثيرات من نساء عمان اللاتي يعملن في مثابرة وصبر في الليل والنهار وعلى مدار الساعة في البناء والمساعدة جنبا إلى جنب مع كل العاملين في تنمية المجتمع والأجيال العمانية الناشئة.

وقد استمر ذلك حتى يوم الخميس الموافق  22 يوليو 2021م؛  حيث تعرضت لعارض صحي حرج أبعدها عن القيام أو المشاركة في أي عمل أو نشاط رغما عنها واستسلمت لمشيئة الله عزّ وجلّ، وبمشيئة  الله العلي القدير ستتمكن سيرين القاضي من التغلب على المحنة الصحية الحرجة والخروج منها والعودة إلى مساهمتها مع نساء عمان في زرع الخير وبذل العطاء والمشاركة في التنمية وتحقيق الرخاء والأمان والاستقرار،وهكذا لن يتوقف النهر عن التدفق، فطبيعة الشيء غالبة عليه، كما هو الحال مع الانسان الذي تعود على نشر الأخضرار في القلوب وإزالة  القحط من تصحر الدروب.         

تعليق عبر الفيس بوك