مدرين المكتومية
اللُحمة الوطنية التي أظهرها أبناء عُمان الحبيبة، أثناء وفي أعقاب الأنواء المناخية التي تسببت في أضرار بالغة على عدد من المناطق والولايات، برهنت بقوة على مدى وحدة وتوحد وتكاتف وتكافل هذا الشعب الأصيل، فلقد لبى الجميع نداء الوطن، دون أن ينادي المنادي! شمر كل شاب وفتاة وشيخ وامرأة بل وطفل، عن سواعد الجد والعمل، تحملوا المسؤولية الوطنية كاملةً بلا كلل أو ملل.
وقبل كل شيء، أودُ هنا أن أشير إلى أنَّ الأنواء المناخية التي عايشناها خلال الأسبوع الماضي، ليست سوى أقدار كتبها الله علينا، لكننا ولله الحمد، أظهرنا التلاحم والتعاضد بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ؛ فالعُماني منذ الأزل وحتى اليوم كان وما زال الإنسان النبيل الذي يتحلى بمحاسن الأخلاق، وطيب الأصل، وسمو الطباع، فقد تربى منذ نعومة أظافره على مد يد العون لغيره، وهو ما تجلى أثناء الحالة المدارية "شاهين".
الكل حضر وسارع لتلبية نداء الواجب الوطني؛ حكومة وشعبًا ومُجتمعًا مدنيًا، وقد تجلى ذلك في الصور الإنسانية التي جسدها الشعب بمختلف أطيافه، ومن هنا كان البطل هو الشعب، والكل كان يعمل بإيمانه الداخلي وبأخلاقه وتقديره لدوره وثقافته في العطاء ودوره في رد الجميل لكل ما تمّ، دون انتظار تكريم لدورهم، فلا يجب أن تكون علاقتنا بمفاهيم العطاء مرتبطة بالمنفعة والمصالح وحسب، خاصة وأن الذي تواجد في الميدان كان يعمل انطلاقًا من رغبة داخلية صادقة في نفسه، وحفز قوي من الضمير الإنساني الكامن في داخله.
ولقد قوبلت هذه الملحمة الوطنية بإشادة وشكر سامٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله ونصره- فالخطاب السامي الذي تفضل وألقاه جلالته قبل يومين أكد ذلك، وشدد عليه، فلقد أعلن جلالته عن إصدار أوامر سامية بتشكيل صندوق وطني للحالات الطارئة، ليكون بذلك رافدًا ماليًا وقوة اقتصادية مُعينة لجهود مؤسسات الدولة في مثل هذه الحالات، كما إن من شأنه أن يُعزز وينظم كافة الجهود الداعمة لمعالجة الأضرار الناجمة عن هذه الأنواء المناخية، سواء الحالية التي ما زالت ولايات بعينها تعاني من أضرار بالغة، أو لا قدر الله تلك الأنواء التي قد تقع في المستقبل. الصندوق سيكون بمثابة الحساب البنكي الموحد لكل التبرعات والهبات والمساعدات التي يقدمها كل مواطن ومخلص لتراب وطننا العزيز، ويعمل على التحرك السريع لتقديم الدعم لكل محتاج، سواء من حيث المواد الغذائية والإعاشية، أو ما يتعلق بخطط وبرامج إعادة التعمير والبناء في المناطق التي تعاني بشدة من أضرار كبيرة في البنى الأساسية أو في المنازل. والجميع يأمل أن يرى هذا الصندوق النور في أقرب وقتٍ، وإنني لعلى ثقة بأن الأمر لن يستغرق الوقت الطويل، فكما واكبت الأوامر السامية الحدث في بدايته بتشكيل لجنة وزارية معنية بتقييم الأضرار وتقديم المساعدة، ثم الإعلان عن مساعدات عاجلة للمتضررين بقيمة ألف ريال لكل منزل مُتضرر، كل ذلك ينبئ بأنَّ التحركات الحكومية خلال الفترة المقبلة ستكون سريعة ومتزامنة مع المتغيرات على الأرض. ومما يبعث في النفس الاطمئان أيضًا أن جلالة السلطان المفدى في خطابه السامي، وجه مجلس الوزراء بتسريع وتيرة العمل لخدمة أبناء هذا الوطن العزيز، وأنه يتعين "على كافةِ الجهاتِ الحكوميةِ العمل كمنظومةٍ واحدةٍ تتعاون وتتكامل فيما بينهَا"، مع التأكيد على أن عودة الحياة العامة إلى وضعها الطبيعي أولوية أولى لدى جلالته في هذه المرحلة، فضلاً عن إيلاء المقام السامي العناية اللازمة لإعادة شبكات البنى الأساسية المتضررة لما كانت عليه من قبل.
الخطاب السامي، تلاه في اليوم الثاني مباشرة، تأكيدات جديدة من لدن جلالته- نصره الله- على المتابعة السامية للإجراءات المُتخذة للتعامل مع الحالة المدارية، مع توجيه عاهل البلاد المفدى لجميع قطاعات الدولة بالتنسيق فيما بينها للعمل على الجاهزية المُسبقة للتعامل مع الآثار المترتبة على الحالات الطارئة مُستقبلًا، وهنا يمكننا أن نلمس بكل وضوح مدى الحرص السامي على تفادي تكرار أي حوادث مُماثلة في المستقبل، بل الاستعداد التام لها واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإدارة الأزمة قبل حدوثها، وهو ما يمثل قمة الإدارة الرشيدة، وبُعد نظر القيادة الحكيمة.
وختامًا.. على كل مُواطن يعيش على تراب هذا الوطن العزيز، أن يُدرك أنَّ جلالة السُّلطان المُعظم وحكومته الرشيدة، لن تألو جهدًا في أن تتخذ من الإجراءات ما يكفل العيش الكريم لكل مواطن، وما يضمن حماية كل فرد من أي خطر قد يقع في أي لحظة..
حفظ الله عُمان وجلالة السلطان المفدى، ورحم الله ضحايا الحالة المدارية، وأعاننا على مواصلة العطاء والمساهمة الإيجابية في مسيرة البناء والتطوير.