أ.د حيدر بن أحمد اللواتي
قسم الكيمياء، كلية العلوم
تُعد الظواهر الطبيعية كالزلازل والأعاصير من الأمور التي رافقت الإنسان منذ أن وجد على ظهر البسيطة وكانت لها تأثيرات هامة على حياته، فلقد بذل الإنسان جهدا كبيرا في الحد من آثارها السلبية وحاول الاستفادة من آثارها الإيجابية، لكن الغاية والهدف من وراء حدوثها ظل يشغل الإنسان ويؤرقه.
وفي مراحل متأخرة نسبياً من التاريخ توصل الإنسان إلى أن إمكانية معرفة الغاية والهدف المحدد والدقيق من ورائها أمر لا يمكن له أن يصل إليه من خلال التفكير أو التجريب، وأن الطريق إلى معرفة الغاية مرتبط بالغيب والنصوص المقدسة التي قد يؤمن بها، ولذا فقد تختلف الشعوب في تحديد الغايات من وراء هذه الظواهر الطبيعية بناءً على خلفياتها الإيمانية، فالمسلم يؤمن بأن النص المقدس منحصر بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، فلا سبيل إلى معرفة الغايات من هذه الظواهر الطبيعية إلا من خلالهما، وبالمقابل فإنَّ المسيحي يحصر النص المقدس بنصوص أخرى ويعتقد أن ما ورد بها هو المعيار الوحيد في تحديد الغايات، بينما لا يعتقد المادي بوجود غاية وراءها.
وعادة فإنَّ الغايات الواردة في النصوص تكون متعددة وعامة ولذا فإن إسقاط غاية معينة على ظاهرة طبيعية محددة هو اجتهاد شخصي لا يقوم على دليل مباشر ولا يصح فرضه كواقع صحيح، بل في كثير من الأحيان يرجع إلى خلفيات آيديولوجية معينة، فإذا وقعت ظاهرة طبيعية عنيفة كالأعاصير مثلا على مجتمع يعتبره المرء مجتمعًا صالحًا اعتبر وقوع هذه الظواهر ابتلاءً من الله للمؤمن، وإذا وقع على مجتمع آخر يعاديه فسرها بأنها عقاب إلهي، وهو في كلا التفسيرين يفتقر إلى دليل واضح وبين، وربما علينا كمسلمين ألا نجزم بالغاية وراء حدوث أي ظاهرة طبيعية، فربما تكون ابتلاءً للمؤمن وربما تذكيرا أو ردعا أو عقابا أو لغايات أخرى لا نعرفها، وكل ما نستطيع أن نجزم به هو أن هناك حكمة من ورائها أما الجزم بهدف محدد فهو أمر لا يعلمه إلا الله تعالى.
كما أن البعض لا يفرق عند سؤاله "لماذا تحدث الأعاصير؟" بين بعدين مختلفين وهامين للسؤال أحدهما يفسر كيفية حدوث الظاهرة والآخر يوضح الهدف من حدوثها، البعد الأول تتكفل به علوم الطبيعة من خلال دراسة الظاهرة وملاحظتها ومن خلال بعض التجارب التي يمكن القيام بها، أما الثاني فهو الغاية من هذه الظواهر الطبيعية وكما أسلفنا فهو بعد غيبي تتكفل به النصوص المقدسة.
إنَّ الخلط الحاصل عند البعض بين الأسباب والغايات يسبب سوء فهم ويجعل البعض يتوقف عن دراسة الأسباب المؤدية لهذه الظواهر الطبيعية ظناً منه بأنه تدخل في المشيئة الإلهية.
ولهذا فالتفريق بين البعدين أمر في غاية الأهمية فالتعرف على البعد الأول والاستفادة منه من الأمور الضرورية لإعمار الأرض وإسعاد الإنسان وحمايته من كل هذه الابتلاءات ولا يتعارض مع الثاني ولا يناقضه ولا ينفيه، فكما أن الإنسان يسعى في حياته الشخصية لتجنب وقوع الابتلاءات فعلى البشرية برمتها أن تسعى لوقف وقوع الكوارث الطبيعية ما أمكنها ذلك من خلال تسخير ما أودع الله تعالى في هذا الكون من نظم وقوانين.
إن التعرف على أسباب الظواهر الطبيعية، يفتح الباب للإنسان على إمكانية معرفة المستقبل والتنبؤ به وهو من أهم ما تسعى وتهدف إليه علوم الطبيعة، فلقد تمكن الإنسان من التوصل إلى الكثير من قوانين الطبيعة التي تمكنه من ذلك، فنحن نستطيع أن نتنبأ بحدوث الكسوف والخسوف ومختلف الظواهر الكونية بدقة فائقة ويمكننا القيام بذلك قبل مدة طويلة من حدوث الظاهرة، كما يمكننا الكشف مثلاً عن جنس المولود قبل ولادته بأشهر ومن الناحية النظرية فإن معرفة المستقبل بدقة فائقة أمر يمكن القيام به وكل ما نحتاجه هو التعرف على المتغيرات الحالية وكلما زادت قدرتنا على معرفة المتغيرات الحالية بدقة وكيف يمكنها أن تتأثر بتغير المتغيرات الأخرى أمكننا معرفة المستقبل بدقة فائقة، إن المتغيرات التي تتحكم بالظواهر الطبيعية كثيرة ومتعددة ويصعب التحكم بها ولذا توصف بأنها نظم معقدة.
ويشير فوز 3 من الباحثين في نمذجة هذه النظم المعقدة بجائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام بأن العقود القادمة ستشهد تطورا ملموسا في فهمها والاستفادة منها، وتهدف هذه الدراسات والبحوث على زيادة قدرة الإنسان وتمكنه من معرفة المستقبل والتنبؤ به فمثلا تمكننا هذه البحوث من التنبؤ بحدوث الفيضانات أو الأعاصير قبل وقوعها بعقود من الزمن.
إن هذه النماذج الرياضية ستسمح لنا بمعرفة أثر المتغيرات المختلفة على الظواهر الطبيعية وكيف تؤثر في مسارها وبالتالي ستفتح الباب على مصراعيه للتحكم وبشكل كبير في هذه الظواهر الطبيعية فمثلاً قد تسمح لنا بتوجيه الأعاصير إلى مواقع جغرافية مُعينة مخصصة مسبقاً أو ربما إيقافها عند المحيطات وعدم السماح لها ببلوغ اليابسة بل ربما منع حدوثها.