النقطة السوداء والكلمة الطيبة

 

وليد بن سيف الزيدي

فرضًا لدينا ورقة بيضاء من نوع (A4) ويُوجد عليها نقطة سوداء وحيدة. فلماذا يكون التركيز عليها فقط من قِبل البعض منِّا وتُهمل باقي المساحات الواسعة والمشرقة في نفس الورقة؟ حيث إنَّ النقطة السوداء هنا تمثل الجانب السيئ الذي قد يراه البعض منِّا في الموقف أو الفرد أو المؤسسة، وفي المقابل تُهمل الجوانب العديدة والجيدة.

ويمكن أن تكون هذه النقطة السوداء في أزواجنا أو أبنائنا أو طلابنا أو زملائنا أو جيراننا أو مُؤسساتنا، فكيف يُمكن أن تعالج تلك النقطة السوداء؟ أرى من الجيِّد مُعالجتها بالكلمة الطيبة.

طيب.. هل أحد منِّا كامل ويخلو من الجوانب السيئة في حياته سواء الدينية أو الدنيوية؟ أليس من الجيد معالجة هذا الجانب السيئ أيًا كان موقعه بالكلمة الطيبة وعلى انفراد بدلًا من الكلمة المُحرجة وأمام عدد كبير من الناس، إذا كان الهدف فعلًا هو تحقيق الخير؟ أليس للكلمة الطيبة وخاصة عندما تكون على انفراد أثر كبير على معالجة الجانب السيئ في نفس الطرف الآخر؟ هل الجميع يتفق معك على أنه جانب سيئ أم أن هناك من لا يراه كذلك في نفس الموقف؟ هل هناك مصلحة تتحقق من وراء التشهير بالأفراد أو المؤسسات أمام عموم الناس؟ هل جميع الناس يعي ما يُقال من كلام حول موضوع ما في مواقع التواصل الاجتماعي وردة فعلهم بعد ذلك؟ أليس قلة الوعي من البعض هي أحد الأسباب التي تدفعهم إلى إثارة الناس في جانب معين وفي المقابل ولنفس السبب يقوم البعض الآخر بتأييد ما يثار من كلام والذي في أغلب الأحيان لا يستند على دليل؟ ما موقف ديننا الحنيف من إثارة ما من شأنه إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات من خلال ما يُقال على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أليس هناك خيار أفضل للاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي كنشر العلوم والمعارف والمهارات؟ أليس من الأفضل لنا نحن كأفراد الاهتمام بمعالجة الأخطاء مع أنفسنا وأسرنا وكل من هو تحت رعايتنا ومسؤوليتنا أمام الله والوطن والسلطان؟

نعم.. هذا ما يجب أن يكون عليه الحال في تعاملنا مع أنفسنا وأهلنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا عندما نجد مثل تلك النقطة السوداء؛ وذلك نظرًا لما يترتب عليه من الخير الكثير.

ومن هنا أجد فرصة لتوجيه كلمة طيبة إلى الجهات المعنية في قطاع الكهرباء، وهي عبارة عن كلمة شكر للجهود التي بذلت في الفترة الماضية في مُعالجة ارتفاع أسعار الاستهلاك الكهربائي، والتي لاقت صداها الجميل في نفوس العديد من المواطنين والمُقيمين في هذه الأيام وأنا أحدهم.

كما أجد فرصة أخرى لتوجيه كلمة طيبة للجهات المعنية بالتعليم المدرسي على مستوى المحافظات التعليمية، والتي من شأنها تحقيق الخير لجميع الأطراف بإذن الله تعالى. وحيث تتمثل تلك الكلمة الطيبة في بعض الأفكار مثل: تلك الفئة من الطلبة غير العمانيين الذين يتطلب منهم دفع مبالغ مالية سنوية من أجل الالتحاق بالمدارس الحكومية، وفي حالة التأخير عن دفع تلك المبالغ يتم حذف أسمائهم وحرمانهم من التعليم. وبحكم قربي من هذه الفئة من الطلبة في الفترة الماضية تم ملاحظة أن البعض منهم لا يستطيع دفع تلك المبالغ، مما ترتب على ذلك حرمانهم من التعليم في هذا العام. فالكملة الطيبة تتمثل هنا في إمكانية تشكيل لجنة مكونة من عدد من الأفراد داخل المحافظات التعليمية، تعنى بمتابعة الظروف المادية لمثل هؤلاء الطلبة ومدى جديتهم ودافعيتهم نحو التعلم؛ بهدف المعالجة وإيجاد الحلول المناسبة لهم أو للبعض منهم، ومع إمكانية إشراك جهات أخرى وأفراد من المجتمع للإسهام في تلك الحلول. وبهذا تتحقق أهداف عديدة تحسب لصالح الوطن وأفراده أمام الله وأمام شعوب العالم ومنها قيمة التكافل الاجتماعي وتسهيل طرق العلم والمعرفة لطلابها.

أيضًا الكلمة الطيبة يمكن أن تكون من خلال دور بعض إدارات المدارس في المحافظات التعليمية وخاصة في ظل ارتفاع أنصبة المُعلمين، والذي يتمثل في إمكانية دمج الصفوف الدراسية بما يتوافق مع الأعداد المناسبة داخل الصف الدراسي الواحد بعد تقسيمه إلى مجموعتين، مستغلين بذلك فرصة وجود التعليم المدمج (أسبوع بأسبوع) في مدارسنا لهذا العام أيضًا، والذي يقوم على أساس تقسيم الصف الدراسي الواحد إلى مجموعتين (المجموعة الأولى في الأسبوع الأول والمجموعة الثانية في الأسبوع الثاني من نفس الصف الدراسي) مما سيسهم في التقليل من أنصبة المعلمين.

والكلمة الطيبة يمكن أن تكون في مرونة التعامل مع بصمة الانصراف من العمل، بمقدار ثلث ساعة على الأقل للذي أنهى ما عليه من التزام خلال اليوم الدراسي بدلًا من انتظار قرع جرس نهاية الحصة الأخيرة؛ وحيث إن هذا الأمر سيُقلل من التكدس على بصمة الانصراف في آن واحد، وهذا ما لا يتناسب مع الاحترازات الصحية والمتمثلة في التباعد بين الأفراد. كما سيقلل من الازدحام في الشوارع العامة وما يصاحبه من ضغوطات نفسية عند البعض، وسيساعد على أن تكون هناك فرصة بالشعور بالسعادة ولو لفترة قليلة وخاصة عند النساء وكذلك الذين يقطعون مسافات بعيدة حتى يصلوا إلى منازلهم.

والكلمة الطيبة يمكن أن تكون من خلال مراجعة القرار الذي يسمح للطلاب في مرحلة التعليم ما بعد الأساسي بتغيير اختياراتهم للمواد الدراسية في بداية كل عام دراسي جديد، وخاصة أنه يكون قد أنهى اختياراته في العام المنصرم. حيث إن هذا الأمر يحول دون استقرار الجداول الدراسية وقوائم أسماء الطلبة؛ وبالتالي يسهم في زيادة الفاقد التعليمي لدى الطلبة الذي نعمل على معالجته قدر الإمكان في الفترة الحالية والقادمة. 

نعم.. هكذا يا أخي العزيز يمكن طرح بعض المواضيع من خلال الكلمة الطيبة سواء مع الأفراد أو المؤسسات بدلًا من الكلمة المُحرجة والمُعلنة في المجالس العامة أو في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شهدناها في الفترة الأخيرة من البعض منِّا، والتي عادة يكون فيها الضرر أكثر من النفع.

وبهذا يا أخي العزيز يمكن لك معالجة تلك النقطة السوداء في حياتك بجوانبها العديدة من خلال الكلمة الطيبة. ولتكن الكلمة الطيبة جزء من ثقافتنا العُمانية الأصيلة في تعاملنا مع كل ما يُحيط بنا داخل الوطن وخارجه. فنحن في النهاية في سفينة واحدة وتحت قيادة واحدة وكل واحد منِّا حسب موقعه له دور في هذه السفينة لا ينبغي أن يتجاوزه؛ حتى نضمن وصول هذه السفينة إلى بر الأمان ونحن جميعًا في  خير وسعادة بإذن الله تعالى.

فهل يمكنك يا أخي العزيز أن تُبادر الآن في مُعالجة تلك النقطة السوداء الوحيدة بين تلك الجوانب المشرقة والعديدة من خلال الكلمة الطيبة سواء مع نفسك أو أهلك أو جيرانك أو مؤسستك أو مجتمعك و كل ما يحيط بك؟

تعليق عبر الفيس بوك