هُودْ هُودْ

 

سعيدة البرعمية

 

أراد قلمي أن يُعنون للقارئ موضوعي بلفظ أصيل، عبارة تتكون من لفظ مكرر، قصير في حجمه عميق في دلالته، هذا اللفظ يشير للاستئذان الذي اعتدنا عليه من منطلق عُرفي وأخلاقي وتربوي؛ حيث إنّ من وصل عند باب البيت لا يحق له الدخول حتى يؤذن له، فيقول: "هُودْ هُودْ " وينتظر حتى يُقال له: " هَدَأْ " حينها يمكنه الدخول؛ فللبيت حرمة كما هو مُتعارف عليه.

أين نحن اليوم من هذا اللفظ الآن؟

لقد قلّ كثيرا استخدامه وحلّت محله، الأجراس بأصوات وترانيم مُختلقة، وأتقن العالم الافتراضي التسلل إلى البيوت بطريق سلسلة تضمن العبور دون أن يقول "هُودْ هُودْ " بعد أن أصبح العالم كقرية صغيرة، فلم يعد هناك من يقف على عتبة الباب ينتظر إذن الدخول، أصبح الدخول أمرًا مستباحاً عبر مختلف التطبيقات، بل إن بعض الدخول يقتحم البيوت بشكل مخزي.

تروق لي كلمة "متابعون" التي يستخدمها "تويتر" للإشارة إلى عدد المضافين؛ فإني لا أُؤمن بثقافة الصداقة التي يستخدمها "الفيسبوك" فالتعبير الأنسب هي المتابعة وليس الصداقة.

الجميل في الفيسبوك وجود ميزة لا توجد في تويتر، وهي  ميزة "طلب الإضافة" فقد وجدتها تقابل لفظا أصيلا وهو "هُودْ هُودْ" فهي لا تسمح للحساب الآخر بالدخول دون أن يُسمح له بذلك، ليس هذا ترويجا للتطبيق، وإنما مقابلة لفظ أصيل بآخر دخيل.

الأجمل أيضاً أن يبقى المتابع بعد قبول طلب الإضافة، متابعاً لما يُطرح على الصفحة العامة دون أن يلجأ للتنقيب خلف كواليس الحسابات، فليست كلّ الحسابات لهدر الوقت واللهو.  

لقد استطاعت هذه البرامج أن تجد طريقها إلينا، فرحبنا بها، كما رحبنا قبلها بالصحون الهوائية على أسطح المنازل، فكانت هي الأكثر تغلغلاً في نفوسنا؛ بحكم أنها داخل الجيّب، لا على أسطح المنازل؛ فالأمر مذهل للغاية!

ابتعدنا كثيراً عن تجمعات الأهل وعن حكايات الجدّ والجدة، التي كانت توصلنا في النهاية إلى درس لم يُطرح على مقاعد الدراسة، ولا في قاعات المختبرات، إنما هو درس من ميدان الحياة.

فقد اعتاد كلّ شخص أن تكون له مجموعة من التطبيقات المفضلة، يعمل جاهدًا على تجميع عدد كبير من المتابعين أو الأصدقاء كما يُقال؛ فقد نجد صبياً أو فتاة لم يتجاوزا بعد سن الخامسة عشر، يتحدثان عن عدد الأصدقاء اللذان قد حظيا بهما في مختلف التطبيقات وعن أحدث المقاطع والألعاب، التي يتابعانها والتي تستنزف منهما وقتا واهتماما كبيرا، على حساب دراستهما وبعدهما فكريا عن محيط العائلة.

وفي تجمعات النساء نجد أنَّ ما يمسك دفّة الحوار عند أغلب النساء، هوالحديث عن نجوم السوشيال ميديا، وما استجدّ من حسابات جديدة للبلوجرات وحسابات التسوق الإلكتروني، وليس الرجال بأحسن حالا.

بالرغم من ذلك كلّه؛ فنحن لا نزال بخير وبأقل الخسائر، فالحبل الذي نعتصم به مرتبط بالعرف والدين، ندرك جيدا أننا مستهدفون، فالأولى أن نأخذ منها ما يخدم مصالحنا ويدفع بعجلة التقدم، وترك ما يمكن أن يغير من ثقافتنا أو يدنس فطرة فُطِرنا عليها.

تحياتي في النهاية لموبايل أمي الذي ظلّ محافظا على سيادته، ولم يسمح لأيّ تطبيق أنّ يحلّ ضيفاً ثقيلاً عليه، واكتفى بالرسائل النصية التي جميعها من شركة الاتصالات، غير مكترث لحجم العولمة من حوله مفضلاً الحرية والاكتفاء.