أدب الطفل العُماني.. والهويّة المفقودة!

 

راشد بن سباع الغافري

مجالات أدب الطفل في العالم من حولنا صارت مُتنوعة ومُتسارعة التطوّر أكثر من أيّ وقت مضى، والشركات التي تقف وراء ذلك تعمل جاهدة على التنافس في جذب أطفال العالم لمشاهدة ما تنتجه، ومتابعته، واقتنائه، والتفاعل معه، وأصبحت كثير من القنوات والشركات العالمية تدر أرباحًا بالملايين من وراء تلك الصناعة وذلك الاستثمار المتعلق بصياغة الطفل وتنشأته.

ونحن بعد أكثر من نصف قرن من نهضتنا لا بُد لنا من المواكبة؛ بل والمنافسة على الارتقاء بذلك الأدب والمشاركة فيه، فالاعتماد على الآخر ما عاد يُرضينا، لأن هذا الآخر في أغلبه ليس بالطرف الحريص على التنشئة الصحيحة لأطفالنا بسبب ما يقدمه ويعرضه من مواد لا تتناسب وثقافة مجتمعنا.

ومجرد التفرّج على ما ينتجه العالم دون أن نُسهم في ذلك الإنتاج يجعلنا في وضع المتأخر جداً عن تلك الصناعة وذلك الاستثمار الذي تمكن من تشكيل أطفال العالم ثقافيًا وحضاريًا.

فطفل اليوم ما عادت تُسلّيه قصة ما قبل النوم، وما عادت تستثيره المجلة المصوّرة وحدها كما كانت تستثير الأجيال السابقة، لذا فهو بحاجة إلى الارتقاء بأدبه في شتى المجالات، وهو بحاجة بجانب ذلك إلى ترسيخ الهويّة العمانية في كل ما يستثير خياله، وينمي ذكاءه، ويصقل موهبته، ويُظهر إبداعه.

أدب الطفل اليوم صار أكثر حضورًا من ذي قبل، خصوصا بعدما دخلت الشاشات في حياة هذا الطفل، وبعدما كثرت الألعاب الإلكترونية، وانتشرت العديد من التطبيقات التي يتعامل معها من خلال الأجهزة الذكية. وهذه النَّقلة النَّوعية والهائلة في برامج أدب الطفل وألعابه ومتعلقاته؛ بالتأكيد هي التي تعمل اليوم على تغذيته البصرية والسمعية والفكرية والحركية وتسيطر على كل ذلك أكثر من غيرها، وتجعل منه طفلا مكتسبا للكثير من الألفاظ والسلوكيات والأخلاقيات التي يستقيها من كل ما تُقدمه.

ولأنَّ الأمر كذلك، فلابُد هنا من المبادرة إلى حفظ هويّة هذا الطفل، والمحافظة عليه من التأثيرات السلبية الناتجة عن قضائه للساعات الطويلة أمام تلك الشاشات والتطبيقات المختلفة، والتي في أغلبها لا تمت بأيّة صلة لهويته وعادات وتقاليد وثقافة مجتمعه.

ولهذا نقول لابُد من وضع بصمة عُمانية راقية في مجال أدب الطفل الحديث، ولن يتأتى ذلك إلا بالتخطيط الشامل لكيفية الارتقاء به وفق ذلك المنظور المتطوّر، وهذا يعني بالتأكيد ضمن ما يعنيه تخصيص قنوات تلفزيونية مختصة بأدب الطفل العماني، بحيث يكون محتواها مستمداً من ثقافة وهويّة ذلك المجتمع.

ويكون أيضًا بإشهار شركات إنتاج فني تُعنى بتقديم كل ما يحفظ الهويّة العمانية بعاداتها وتقاليدها لهذا الطفل؛ وأن تكون تلك الشركات بقيادة وإدارة أيادٍ عُمانية مؤهلة ومدربة على هكذا مسؤولية؛ حتى تتمكن من تقديم أعمال ترقى لمستوى المنافسة العالمية المنشودة في هذا الجانب.

ويأتي ذلك أيضًا من خلال اكتشاف ورعاية ودعم المواهب العمانية الشابة القادرة على تصميم الألعاب والتطبيقات الإلكترونية المستمدة من الإرث الحضاري والثقافي لعُمان، بلباسها وتاريخها وتنوع طبيعتها وجغرافيتها. وحتى الألعاب الحركية والذهنية، لابُد من الاهتمام بها من خلال استقطاب ورعاية ودعم الشباب القادر على إحداث مثل هذا التغيير في أدب الطفل العماني؛ وإيجاد علامة تجارية منافسة من خلال تصنيع دمى تمثل الشخصية العمانية؛ وألعابا تكون بمثابة الوجهة الجاذبة لهذا الطفل فيما يرغب باقتنائه من ألعاب.

وكذلك بالنسبة لترجمة الأعمال العالمية لابد أن يتوافق مع هوية أطفالنا العمانية إن كان ولابُد من اقتناء ذلك الإنتاج وطرحه ليتفاعلوا معه بالصورة التي نأملها.

يرافق كل ذلك موادٌ دراسية وتخصصات أكاديمية تُعنى بتخريج جيل من الشباب العُماني القادر على إدارة القنوات الفضائية للطفل، وتصميم الألعاب والتطبيقات، والإخراج الفني للبرامج والإصدارات من مواقع وكتب ومجلات، والتي تحفظ للطفل العماني حقه في تلقي أدب راقٍ ومُحتشم، يحفظ له لهجته العمانية المتنوعة، وزيّه المتميّز، وعاداته وتقاليده المستمدة من تعاليم دينه وتاريخه العظيم، ويأخذ بيده نحو الإبداع؛ بحيث تعمل تلك المنظومة على الرقيّ بفكره وصقل مهارته الحركية منها والذهنية.

لو وصلنا إلى هكذا مستوى في أدب الطفل العُماني سنكون حينها منافسون حقيقيون في هذا الجانب، وسنكون قدوة إيجابية في تقديم ما ينفع الإنسانية، وحتى الآباء والأمهات سيكونون أكثر اطمئنانًا، عندما يرون طفلهم يتابع قناة عُمانية خاصة به، أو يمارس لعبة إلكترونية "تعليمية كانت أو مهارية" مصممة بأيدٍ وعقول عمانية، ومستمدة من واقع مجتمعه وحضارته، بدلًا من تركه لتفاهات القنوات والألعاب والتطبيقات التي شوّهت أدب الطفل؛ بل وجعلت كثيرا من الأطفال يتأثرون بمحتواها العقيم والسقيم، يرددون ألفاظها السيئة، ويطبقون أفعالها المقيتة، ويتقمصون لغتها الهابطة، دونما فائدة تذكر.

ختامًا.. إن لم نتدارك نوعية الأدب المقدم لأطفالنا، وإن لم نوجهه بأنفسنا، ونبدع فيه بعقول وقدرات شبابنا في يومنا هذا، فإننا نخشى أن يأتي الغد الذي تُعاتبنا فيه تلك الأجيال بالقول: لماذا تركتم شخصيتنا تتشكل من هويّات وثقافات الآخرين؟!

فما نحن قائلون؟!

تعليق عبر الفيس بوك