فاطمة الحارثية
أتت جائحة "كوفيد-19" على حين غرةٍ، لم نكن لنعلم عنها، لكنها علمتنا الكثير، والأوبئة ليست كتقلبات المناخ، فالمتابع يجد أن أثر الجائحة تراكمي القياس في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولستُ ممن يستأثر عرض الجوانب السلبية دون النظر إلى الإيجابيات؛ فالتوازن ركن أساسي في صناعة قرارات التعافي والتغيير.
وقد يتفق البعض على أن أول إيجابيات الجائحة، أنها أوضحت المرحلة التي نحن عليها في سلم النضج المؤسسي، ودرجة وعي القائمين والعاملين في المؤسسات والشركات؛ ونستطيع أن نقول كتعريف مصغر للنضج المؤسسي أنه مقياس قدرة ثبات المؤسسة أمام متغيرات ومخاطر الاقتصاد المحلي والعالمي، مع استمرار عملياتها والإبقاء على جميع موظفيها.
إن الأنظمة والسياسات التي وُضعت سابقا، في أثناء نشأة البنية الأساسية لمفهوم العمل المؤسسي، والعلاقة بين المؤسسة والعاملين عليها، تحتاج إلى أن يكون لها استراتيجيات تطويرية تتزامن مع دورة التغيير، لمواكبة المتطلبات القادمة، في بداية بناء الدولة الحديثة، كان لابد من سياسات تحفيزية لاستقطاب الأيدي العاملة، من أجل تحقيق الطموح، واليوم وبعد أن تمكن العماني من كافة مجالات العمل المؤسسي، نجده مازال متأثرا بمفهوم الرعوية، وهذا يُوجب وجود تعريف واضح بعد هذا التغيير الجذري، حول دور كل عضو في الكيان المؤسسي، مما يحفظ لنا حق البقاء، والقدرة على الانتقال السلس والثابت إلى مراحل جديدة تحقق الرخاء والسلام، مما نرى كبادرة قد يتم رفضها لكنها مهمة من أجل الغد، رفع الجهات وصايتها حول موضوع التوظيف، فالعمل مسألة تنافسية وليست تنظيميه، إعادة النظر في منظومة الأجر، فلا يمكن أن تتساوى مكافئات العمل في الدرجة الوظيفية الواحدة للأقسام المختلفة، دون النظر إلى طبيعة العمل ومتطلبات الأداء، ومهارات التنفيذ، وأيضا نوع التطوير والتدريب اللازم كأدوات توفرها المؤسسة؛ إن ما تم إقراره مؤخرا بربط الترقيات بالأداء لخطوة جديرة بالثناء، ومن الجيد أيضا أن يرتبط بالأداء العام للمؤسسة، ويكون ذلك من خلال إنجاز المهام الموكلة على المؤسسة واستبيان رضا العملاء والرأي العام، هذا التوجه يرفع من الأداء المؤسسي، ويصنع الغد بخطى ثابته عادلة، ويُظهر الجدية في تنفيذ الأهداف وتحقيق الرؤى.
سياسة الإحلال تواجه الكثير من التحديات، لأننا ما زلنا نتكئ على العقول التقليدية القائمة على أقسام الموارد البشرية والتوظيف، في معظم مؤسسات وشركات الدولة، ربما مقترح ضريبة رأس العمل الأجنبي في مؤسسات وشركات الدولة، مقابل تسهيلات الاستثمار الأجنبي للقطاع الخاص مدخل جيد كأحد حلول تلك الأزمة. إن المشكلات التي تطول، تحتم علينا من أجل مواكبة ورفع النضج المؤسسي أن نستخدم "الحزم" في تحقيق الصالح العام، وإرساء حضورنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي المحلي والعالمي.
ومرونة الأنظمة والقواعد وسلاسة تغييرها ركن أساسي من أجل بلوغ الأهداف، ولقد أظهرت الجائحة من خلال قراءة سقوط بعض الشركات، وانهيار البعض الآخر، أننا لا نستطيع الجزم بالأسباب كفساد أو أن نؤول الأمر على أنه سوء إدارة، بل يكمن الأمر بقوة الركائز والأنظمة التي تتكل عليها تلك الشركات والمؤسسات، ونُظم احتواء الكوارث المالية والإدارية وغيرها لديها، وهذا جانب يُطلب له الاهتمام من قبل جهات متخصصة في هذا الشأن، إننا على عتبة حقبة جديدة، تحتاج إلى استشراف يرتكز على التعلم من أخطاء الأمس، وتمكين الطريق إلى مستقبل أكثر استقرارا بمقاييسنا نحن، وليس تقليدا لمعايير دولية ضيقة، فشلت عند أول جائحة اجتاحت العالم.
سمو...
رويدك، ليس ثمة ما نحتفل به إذ طوينا سجل كوفيد-19 الحافل فالقادم أصعب؛ وتعاقب الأيام لا ينتظر أحدا، خذ دورك بجدية وانفض الأمس عن كاهلك، فلا وقت للحزن أو النحيب فالقافلة تمضي بك أو بدونك.
أثقل الظلم كاهل الكثير منا، وعلينا أن لا نزيد عليه ظلمنا لأنفسنا.