صناعة "اللا مسؤول"

 

فاطمة الحارثية

ثمة الكثير من الأوضاع والأمور والمشاكل التي نتغافل عن أسبابها ومُسبباتها، ونستهلك الكثير من الجهد والمال والطاقة، في حل وفك الأعراض دون أن نتطرق أو نعالج أصل المشكلة، بعد النهضة العلمية التي نحن عليها، أستطيع أن أقول إن هذا الفعل متعمد، لأسباب كثيرة جدا؛ لأننا بالفعل ندرك أصل كل مشكلة وسببها وحلها الجذري.

قالت لي زميلة، إن المصدر الأساسي للكثير من الإرهاصات التي نحن عليها، هو سعينا نحو الاستحواذ والسيطرة، حتى وإن كان ظاهرياً، نمتلك الكفاءات الفكرية، والمهارات العملية، لكن وضعها على خارطة الأعمال، مخاطرة كبيرة للكثير ممن تقلدوا المناصب، بسبب المنافع الشخصية لمن نصبهم؛ حتى أني قلت لها أليس من الحماقة أن يتدهور حالنا الاقتصادي والعملي فقط من أجل التبجيل والتملق؟ نظرت إلي بهدوء وقالت: لن نتكبد نحن تلك الفاجعة بل من هم بعدنا.

أخذتُ أتصور، ربما على من هم في مقاعد المسؤولية بغير أهلية، أن يستعينوا بالكفاءات "من خلف الكواليس" لحفظ ماء الوجه، ثم وضعتُ احتمال أن من وضعه ربما كان متعمدًا؛ وخير ما قد نلجأ إليه، من أجل القادم صقل المواهب والإمكانيات الفطرية، التي منحهم إياها الرحمن. وإذا ما تطرقنا قليلًا إلى بعض تلك الفجوات العملية، نجد الكثير من الأعمال المضيعة للمال والوقت والأمثلة كثيرة جدا؛ وتعديد البعض القليل هنا لا يستوفي حق علاج المشكلة، من مصادرها أو بتر مسبباتها؛ ومن باب سنن المنطق إن مطالبة أصحاب السيطرة بالتفكير السليم أمر يصعب عليهم، ولكن بشكل عام، إن زوال عناصر سلطتهم أو سيطرتهم بسبب سوء إدارتهم، سوف يحولهم إلى أسماء بلا معنى أو قيمة، حتى قبل أن ينتهي عهدهم. أن نأتي بقشور التقليد، ونتوج تلك الأساليب كأفضل المعايير في العمليات الإدارية والتنفيذية والتقنية لهو ضرب من الجهل، فنجد إجراءات كثيرة وطويلة، من أجل مناقشة موضوع ما، لا يستحق الوقت والجهد والمال من أجل كل تلك التحضيرات، والأجدر الإنفاق على التنفيذ وليس اللقاءات والمناقشات، ففي نهاية الأمر ولسخرية المظاهر، نجد قائمة مُنمقة فارغة المعنى والهدف لأجندة اللقاء أو الاجتماع، مع تناقض واضح بين مضامين الأجندة، ومحاور النقاش والنتائج المتوقعة أو المستهدفة، هذا إذا في الأساس ثمة توجه لصياغة أية مخرجات أو نتائج وتنفيذها.

تقر الكثير من الجهات بنود الأعمال دون تقييم فعلي لآلية الأداء، أو كيفية التعامل مع النتائج المتوقعة، وكذلك استدامة ونمو تلك المخرجات، في معظم المشاريع عند تناول سيناريوهات أو مُحاكاة النتائج بالاستراتيجية المزعم عملها، قد يتبين الكثير من الأمور التي يمكن الوقاية منها أو تجنبها؛ لتبسيط العمليات واستثمار النتائج بأفضل الطرق وأنفعها. إن وضع تجارب الغير في أجندتنا، مع توقع نتائج مشابهة لهو أمر غير احترافي، وينم عن مدارك فكرية وعقلية محدودة التفكير والإدراك؛ لكل منتج أو استراتيجية عمل أو مشروع، يتم تطبيقه في أكثر من بيئة، وجب إدراك واستيعاب الاختلاف البيئي، وطبيعة النقص والاحتياجات، ودرجات التفاعل، سواء كتفاعل ميداني مع التغيير أو درجات المقاومة للجديد أو قبوله أو عناصر التعديل للتناسب.

في الغرب ومعظم دول العالم، قد يفقد المخطئ عمله إن أخطأ، بالتالي نجدهم حذرين، لكن عندنا لا يوجد تعريف حقيقي لفقد المسؤولين وظائفهم عند حدوث خطأ، ربما لأننا نُعرف الخطأ بذات تعريف الحادث، وكثيرًا ما نقوم بتنقية "النية" لدى المخطئ أو نختلق "إننا نتعلم"، لنرفع عن المسؤول مسؤوليته، وفي ذات الوقت نُزيل الحرص والحذر في نفسه، ليتحول إلى فاقد، لا يُعطي ولا ينفع إلا في حدود ضيقة، ربما نحن من نصنع أو نحول المسؤول إلى لا مسؤول.

سمو..

الكفاءات لا يُحددها جنس أو عمر، أو شهادة، أو سلوك أو سيرة ذاتية أو مقابلة عمل أو اختبار ذكاء.

أن نختلق معايير وعي أو مقاييس ذكاء لهو سخرية حقيقية للبشرية جمعاء، فمن وضع تلك المعايير يبقى ناقصًا، صنع ما صنع عند حدود فهمه وإطار نقصه.