العلاقات العمانية الباكستانية.. جذور وآفاق

 

د. عبد الملك الهِنائي **

 

في الرابع عشر من أغسطس الجاري احتفلت باكستان بعيد استقلالها، وهو اليوم الذي يسبق عيد استقلال جارتها وتوأمها؛ الهند، وقد استقلت الدولتان عن بريطانيا في عام ١٩٤٧ بعد فترة استعمار متدرج بدأ في أوائل القرن السابع عشر.

كانت باكستان والهند وبنغلاديش وأقاليم وجزر أخرى جزءًا مما كان يعرف حضاريًا بالهند، ولا زال يطلق عليه جغرافياً اسم "شبه القارة الهندية". ومع أن البرتغاليين سيطروا في أوائل القرن السادس عشر على بعض المدن والمناطق على السواحل الهندية، إلا أن معظم الأقاليم، بما في ذلك باكستان الحالية، كانت جزءا من الإمبراطورية الإسلامية المغولية، وذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما أعلنتها بريطانيا مستعمرة تابعة لها. بدأت قصة الاستعمار البريطاني للهند مع تأسيس شركة الهند الشرقية الإنجليزية في أوائل القرن السابع عشر وذلك في خضمّ تنافس استعماري غربي على المنطقة. وأسست الشركة حينها مراكز تجارية لها في عدد من المدن الساحلية الهندية، ثم أنشأت جيشاً لها بدأ في احتلال أقاليم الهند واحدا تلو الآخر. وفي سنة 1876 قررت بريطانيا إنهاء دور شركة الهند الشرقية البريطانية وأعلنت الهند مستعمرة تخضع للتاج البريطاني. ونظرًا للأهمية الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية لبريطانيا فقد عُرفت الهند بين المؤرخين والسياسيين بأنها "درة التاج البريطاني".

ترتبط عُمان وأقاليم شبه القارة الهندية بعلاقات موغلة في القِدم تمتد لأكثر من 3 آلاف عام، خاصة مع حضارات وادي الأندوس أو وادي السند، ومع إقليم بلوشستان وغيره من الأقاليم التي تشكل حالياً جمهورية باكستان الإسلامية. وفي العصر الحديث اتخذت العلاقات العمانية مع تلك الأقاليم بعداً سياسياً، حيث امتد النفوذ والحكم العماني إلى منطقة "ديوالتي" تقع حاليا في الهند وإلى جزيرة جوادر ومنطقة كالات التي تقع في البر المقابل لها في باكستان. وقد بدأ التأثير السياسي العماني على تلك المناطق في عهد اليعاربة في منتصف القرن السابع عشر بعد إجلاء البرتغاليين عن عمان. وفي أواخر القرن التاسع عشر اتخذ السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي من جزيرة جوادر قاعدة لحملاته العسكرية في بحر عُمان والخليج العربي. وقد بقيت جوادر خاضعة للحكم العماني المباشر حتى عام ١٩٥٨، حين تخلى عنها السلطان سعيد بن تيمور لباكستان مُقابل تعويض مالي، بعد مفاوضات شاقة معها. ومع أن الحكم العماني لجوادر قد انتهى منذ أكثر من ستين عاماً إلا أن العلاقات بين عمان وباكستان، خاصة مع إقليم بلوشستان الباكستاني لا تزال متواصلة حتى اليوم. المعلوم أن إقليم بلوشستان مقسم حالياً بين باكستان وإيران.

إن الواقع الجغرافي والعلاقات التاريخية والثقافية والدينية التي تربط البلدين وما يجمع بين شعبيهما من صلات قربى ونسب، تقتضي تقوية العلاقات الاقتصادية بينهما. ويمكن للبلدين الاستفادة في تقوية تلك العلاقات من الموقع الجغرافي لهما ومن البنى الأساسية المتوفرة فيهما، مثل الطرق والموانئ التي تربطهما بالدول الأخرى، وكذلك حاجة أسواقهما إلى سلع تتوفر في أحدهما ولا تتوافر في الآخر. كما يمكنهما البناء على العلاقات التي تربط كلا منهما بجوارها من الدول. لقد شهدت العشرية الأولى من القرن الحالي محاولة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وذلك من خلال تأسيس الشركة العمانية الباكستانية برأسمال عماني. وبدأت الشركة في إنشاء ودعم بعض المشاريع التنموية، مثل محطات الكهرباء في إقليم بلوشستان، ثم قامت الشركة بتقديم التمويل الصغير "micro finance" عن طريق قروض تقدمها لمشاريع صغيرة هدفها مكافحة الفقر في الإقليم. وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك تجربة للدخول في سوق الاتصالات الباكستاني، لكن ذلك للأسف لم يستمر لعدة أسباب، أهمها عدم الاستقرار السياسي والأمني في باكستان، وهو وضع مزمن تعاني منه باكستان منذ استقلالها. غير أنه يبدو أن الأمور تميل إلى الاستقرار منذ انتخاب رئيس الوزراء الحالي عمران خان في سنة ٢٠١٨.

ومن وجهة نظري أنه رغم أن باكستان من البلدان التي تعاني من مشاكل الفقر المدقع والتخلف الاقتصادي ومن انتشار الأمية وتدني مستوى التعليم، فإن تطوير العلاقات معها فيه مصلحة استراتيجية لعُمان. فعلاوة على المصلحة الاقتصادية وضخامة سوقها فإن باكستان تملك قوة عسكرية ذات قدرات نووية رادعة، تستطيع من خلالها إحداث توازن استراتيجي مع جارتيها الشرقية والجنوبية الغربية، وكلتاهما له طموحات كبرى في المنطقة. وفي أواخر القرن الماضي امتلكت باكستان قدرات نووية مكنتها تدريجيًا من اتباع سياسات أكثر استقلالية، بعد أن كانت قد دخلت في تحالفات لم تفدها في إيجاد حلول لقضاياها الرئيسة مثل قضية كشمير، ولم تساعدها كذلك في حل مشاكلها الاقتصادية والتنموية. أما في الجانب التجاري والاقتصادي فإنَّ باكستان هي البوابة أو جسر العبور الذي يربط الصين بالشرق الأوسط وأفريقيا.

وكما هو معروف فإن الصين ترتبط مع كل من عُمان وباكستان بعلاقات اقتصادية قوية، سواء من خلال الاستثمارات الصينية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم أومن خلال الاستثمارات الصينية الضخمة في ميناء جوادر، وفيما يعرف بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهي علاقات يعول عليها الكثير لبناء اقتصادات قوية في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

وفي الوقت الحاضر يبلغ الميزان التجاري بين عمان وباكستان ما يزيد قليلا عن 71 مليون ريال عماني، تبلغ الصادرات العمانية منها حوالي 10 ملايين ريال، وتشكل البتروكيماويات والألمنيوم جانبا كبيرا منها، بينما تبلغ الواردات من باكستان حوالي 61 مليون ريال، يشكل الأرز ومواد غذائية أخرى نسبة كبيرة منها. أما الاستثمارات الباكستانية في عمان فتتراوح ما بين 500 إلى 700 مليون ريال، تشمل قطاع البنوك وقطاع النقل والصناعة وأنشطة أخرى. وتحتل باكستان المرتبة الثالثة بين الدول التي تستقبل السلطنة منها عمالا للمساعدة في المشاريع التنموية والخدمية، حيث إن عدد الباكستانيين العاملين في عمان يزيد قليلا عن 220 ألف نسمة. لكل تلك الأسباب التاريخية والواقع الحالي ومن أجل مستقبل أكثر استقرار وازدهارا، فإن من الضروري بناء علاقات أقوى بين عمان وباكستان. ويمكن أن تشمل مجالات التعاون قطاع التدبير (اللوجستي) وقطاع الزراعة والأمن الغذائي وقطاع الصناعة وبعض الأنشطة الخدمية.

وإضافة إلى أهمية تقوية وتوسيع العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان وجمهورية باكستان الإسلامية بناء على ما بينهما من علاقات تاريخية وقرب جغرافي، وحيث إنه لا يبدو أن هناك أطماع توسعية أو صراع أيديولوجي بين العالم العربي وباكستان، على عكس ما هو عليه الحال مع قوى أخرى في المنطقة، فإن تقوية العلاقات بين الدول العربية عامة وباكستان أمر مهم أيضاً لمواجهة التوسع والهيمنة الصهيونية، خاصة بعد أن بدأت نذر ذلك تلوح في بحار وسماء المنطقة.

 

** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية

تعليق عبر الفيس بوك