شكرًا كورونا!

 

أشواق المعشنية

 

قد يتعجَّب البعض عندما يقرأ عنوان المقال: "شكرا كوروناً"، ويتعجب من شكري لكورونا الذي حصد ملايين الأرواح البشرية حسب ما أظهرته مُنظمات الصحة العالمية في جميع بقاع العالم. وحقيقة هذه الأرقام لا نعلم خفاياها، هل كورونا وحده هو السبب، أم هناك أسباب أخرى؟

كلنا نُؤمن أنَّ كل نفس لا تموت إلا حين تستوفي أجلها مهما تعددت الأسباب وكثرت الكوارث. أقول هنا شكراً كورونا لأنه أوضح لنا واقعًا غفلنا عنه، وصنع فارقاً في نفوسنا، وجعلنا أقرب ممن نُحب وأبعد عنَّا العالم الوهمي.

شكراً كورونا لأنه جعلنا نستشعر النعم، نحمد الله على ما أعطى، شكراً كورونا على إشعال موقد الدفء (العائلة) الذي افتقدناه، وعلى اللحظات الجميلة التي جعلتنا نعيشها بقرب ضجيج أحبتنا ولهفة النقاش وتبادل الآراء. شكراً كورونا لأنه حسسنا بقيمة الأحباب البعيدين عنَّا وبأن ضرورة صلة الرحم سبب في خلود المودة وزيادة في الرزق والبركة.

شكراً كورونا لأنه أنار بصيرة العلم والاطلاع، لأنه أثار فضول العقل للاستكشاف والتطلع. شكراً كورونا لأنه أضاف لنا وقت فراغ وجعلنا ندرك أن "الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك" مما جعلنا نقطع أشواطًا في اكتشاف أنفسنا، وأن ندرك ونستفيق على أن العُمر فانٍ وأن نستثمر طاقة شبابنا في إصلاح ووضع بصمة تُخلد قبل الرحيل.

شكراً كورونا الذي جعلنا نستشعر بقيمة التعليم وجعلنا نذوق تجربة التعليم الإلكتروني وأضاف لنا خبرة علمية وخبرة إدراكية بأن لا يوجد ألذ من النهوض مُبكراً ومحاربة الكسل للذهاب نحو طلب العلم.

شكراً كورونا الذي أحيا في منازلنا مساجد طاعة وذكر في كُل صلاة جماعة، شكراً لأنه نما في الصغير قبل الكبير حُب الإمامة وترتيب مكان الصلاة بمجرد سماع الأذان. شكراً لأنه لمّ شملُنا في كُل خُطبة صلاة جُمعة وجعلهُ مكسبا ثقافيا يُعزز الثقة بالنفس في الحوار وتبادل المعلومات الدينية.

شكراً كورونا الذي كان سبباً في نزول السكينة واحتفاء الملائكة بالحلقات القرآنية المنزلية.

شكراً كورونا لأنه علمنا الادخار، وبأن نصبح أكثر مسؤولية كفرد من أفراد العائلة، وأن ندرك عطاء الوالدين الذي يبذلونه لأجل راحتنا على حِساب طاقتهم. شكراً له لأنه ساهم في تغيير الكثير للأفضل بغض النظر عن القليل السيئ.

وبالرغم من أنهُ لا يُرى بالعين المُجردة إلا أنه أثبت أن الإنسان حقاً ضعيف مهما اجتمعت قوة العالم عليه.

فحقاً شكراً كورونا، الذي جعلنا ننظر للجانب الإيجابي رغم الشحنات السلبية المُتطايرة.

تعليق عبر الفيس بوك