من النبلاء؟!

تقوى محمد الجراح

 

من النبلاء؟ هل هم أولئك الذين ينتمون للطبقة الراقية، لا يتكلمون مع عامة الناس حتى لا تتلطخ سُمْعتهم وكبرياؤهم؟ أم أولئك المحسنين الذين يعطفون على الجميع ويحبونهم؟

إذا عدنا إلى العصور القديمة والوسطى، نجد مصطلح النبلاء يصف النَّاس من الطبقة الأرستقراطية، من مكانةٍ اجتماعية عالية، وقوة كافية، أو ثروة كبيرة، وحتى أنهم يُسَمّوْنَ بِأصحاب الدم الأزرق¹، إلا أنَّ هذه الطبقة اختفت لأسباب قد تكون سياسية أو اجتماعية.

لكني أصبحت أنظر لهذا المصطلح من جهةٍ مُعاكسة، ذلك بعد رؤيتي لعدة مواقف أثرت بي.

في إحدى الرحلات رأيت عائلة تتكون من أمٍّ وثلاثة أطفال، تبيع والدتهم الماء البارد للسياح والمتجولين، ما جعلني أتأمل المشهد هو نوم طفلين بجانب والدتهما، التي كانت تسرح شعر ابنتها تزامنًا مع بيعها للماء، أذكر إلى الآن تعابير وجهها المرهق، وملامحها القوية.

ابتداءً من هنا، بامتدادٍ لا نهاية له من مواقف عظيمة لأناس ظنوا أنَّ ما من أحد يقدرهم، أقول إن هؤلاء هم النبلاء الحقيقيون، الطبقة التي تلت (أصحاب الدم الأزرق)، الذين خصهم الله عزّ وجلّ بصفاتٍ قلَّ وجودها في زماننا.

يتعجب الإنسان أحيانًا من شدة حِلْمِهِم! أوجدهم الله ليثبتوا لنا أنَّ الدنيا ما زالت بخير، بالرغم من كل ما أصابهم من مساوئ وأذى إلا أنهم ازدادوا سماحةً ولطفًا مع من آذاهم، ليس في ذلك بلاهة أو ضعف، بل قوة إيمان عظيمة غشت قلوبهم.

لذا أرى أنهم مزيج من هذا وذاك، نعم هم أناس نادرو الوجود، لا يميزهم جنسهم أو لونهم، إنما كثرة تسامحهم، وجوههم تشع نورًا وصفاء، تعرفهم بسيماهم.

وأختم بقول أدهم شرقاوي في كتابه "مع النبي": "كُن نبيلًا ولا تمحُ تاريخ صاحب الفضل بموقفٍ واحد".

 

-----------

 

الدم الأزرق blue blood: مصطلح إنجليزي تمَّ تسجيله منذ عام 1834م ليشير إلى ميلاد أو نسب نبيل. والمصطلح الأصلي مترجم عن الإسبانية sangre azul التي تميز العائلة المالكة الإسبانية وغيرهم من كبار النبلاء الذين ينتسبون إلى القوط الغربيين عن المغاربة. (المصدر: ويكيبيديا)

تعليق عبر الفيس بوك