ثروة تهدر في البحر

 

سعيد غفرم

Said.gafaram@gmail.com

من قمم سفوح جبال ظفار الشاهقة المكتسية بالخضرة والأشجار وبين الأودية والشعاب تتدفق عيون المياه العذبة على مدار العام، ويُعتبر موسم الخريف المصدر الرئيسي لتغذية المياه الجوفية لهذه العيون وأشهرها تلك التي تقع بالجبال المحاذية للسهل والمسمى بـ"الجربيب" باللغة الشحرية ومن تلك العيون عين دربات وعين حمران وعين أثوم وعين طبرق وعين أرزات وعين صحلنوت وعين جرزيز..وغيرها، وكانت هذه العيون مصدرا لشرب الناس وري المزروعات وموردا للمواشي قبل النهضة المباركة.

أين تذهب هذه المياه؟

يهدر سنوياً ملايين الأمتار المكعبة من مياه العيون بلا فائدة وبدون استثمار حقيقي وكان بالإمكان الاستفادة منها لغرس الأشجار المثمرة وأشجار الظل في الأماكن العامة أو تزويد المواطنين بالمياه لاستخدامها في الزراعة أو إنشاء حدائق عامة أو لدعم أهل المنطقة بإنشاء شركات وطنية للمياه المعدنية أو بناء السدود والبحيرات لتغذية المياه الجوفية، إلا أنه لم يتم استغلال هذه المياه بالصورة المثالية التي كنَّا نطمح إليها، نظرًا لمحدودية الخبرة اللازمة لإدارة الاستراتيجية التي من شأنها أن تحول المصادر المائية الطبيعية إلى موارد مائية دائمة التجدد، تعود بالنفع والخير على الوطن والمواطن وتحقق التنمية المستدامة للموارد المائية في السلطنة على اعتبار أن الأمن المائي قضية جوهرية ومهمة جدًا تضعها جميع الدول نصب أعينها.

 إن النظام الاستثماري أحياناً لا يصاحبه رؤية متكاملة أو شراكة مجتمعية لملاك هذه العيون وإنما تسند لبعض الشركات الخاصة التي هدفها الأساسي هو جني الأموال والربح من وراء استغلال الثروة المائية الوطنية دون مراعاة المجتمع المحلي والمصلحة العامة.

 وعلى الرغم من أن هناك عيون مائية تم استثمارها من بعض الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص في إقامة استثمارات ناجحة في القطاع الزراعي كعين أرزات وجرزيز وصحلنوت إلا أن هناك الكثير من العيون الأخرى لم يتم الاستفادة من مياهها الجارية طوال العام في إقامة مشاريع زراعية مماثلة.

ومما لا شك فيه أن هدر الثروة المائية وعدم استثمارها بالشكل الصحيح يعتبر خسارة وطنية لأن المياه ثروة عظيمة لا تقدر بثمن ولأنها ليست ملكًا لجيل دون آخر مما يستوجب علينا المحافظة عليها من الهدر وسوء الاستنزاف غير المبرر مع عدم الإفراط بنصيب الأجيال القادمة منها.

وخير مثال على الهدر المائي ما نشاهده في وادي دربات الذي لايزال منذ إعصار "مكونو 2018" يصب في البحر ولا يستفاد من مياهه، ويعتبر وادي دربات مصدرا لجذب السياحة إلى محافظة ظفار بسبب تواجده ما بين الشاطئ والجبال المتاخمة له وينتهي جريان مياهه في خور روري المتاخم لميناء سمهرم الأثري، فلابد من تطوير المواقع السياحية من حوله من خلال إنشاء سد في نهاية انسياب شلالاته لتجميع المياه وتعزيز تغذية المخزون المائي الجوفي وإنشاء بحيرة صناعية وتنفيذ مشروع الاستزراع السمكي واستثمار ضفاف هذه البحيرة من خلال تنفيذ ممرات لمُمارسة رياضة المشي وإقامة المقاهي والمطاعم بين جنباتها.

وفي الختام.. نُؤكد على أنَّ حماية الثروة المائية واجب وطني ومكسب تنموي ويتطلب من الجميع تضافر الجهود للحفاظ عليها واستثمارها بالشكل الأمثل بما يُحقق أهداف التنمية المستدامة للقطاع الزراعي وموارد المياه وتلبية متطلبات المرحلة القادمة ضمن رؤية "عُمان 2040".

تعليق عبر الفيس بوك