علي بن حمد المسلمي
هكذا هي الحياة مشقة وكبد "لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ"، فالإنسان يولد باكيا ويعيش شاكيا، فإن ابتلاه ربه وأكرمه فيقول "رَبِّي أَكْرَمَن" وإذا قدر عليه رزقه "فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ".
نظن أن الحياة سرمدية، نسبح بأفكارنا حول عوالمها المتعددة ونطوف بخيالنا نحوها كحلم مزهر يداعب أحلامنا وأفكارنا ونحلق في أجوائها كالطير في سبحات الفجر ونغوص في أعماق محيطاتها كالأسماك التي ترفرف بزعانفها في الماء، يخيل إلينا أنها أبدية ونعرف حقيقتها إنها عابرة مُدبرة، كمن يستظل تحت ظل شجرة فيأفل عنها.
سبحان من صورها وزينها وجعلها كفاتاً وألقى فيها رواسي شامخات وأنبت فيها الزرع والضرع وجعلها ممدودة وذلولة نمشي في مناكبها "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا".
إنِّها حياتنا الدنيا دار ابتلاء واختبار"ليبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " وهي مزرعة الآخرة فمن عمَّرها بالخير طاب بانيها ومن عمرها بالشر خاب ساعيها.
إنها النفس الأمارة بالسوء التي تزين حسن العمل لصاحبها وتعتقد أنها على صواب وإن ما تفعله هو الصحيح " أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ."
ولكن هيهات هيهات، فهناك المحسن الذي يجازى بالإحسان إحسانا والمسيء الذي يجازى بالإساءة سيئة مثلها "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ".
ولكن يبقى الإنسان إنساناً، إذا ترك لنفسه الهوى ولم يمعن النظر بما قدم وأخر، وإنه صاحب رسالة منوط بحملها "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".
فها هو الأعرابي البسيط، استدل على وجود الله عندما سأل فأجاب "البَعرةُ تدل على البعير، والأثَر يدل على المسير، ليل داجٍ، ونهار ساجٍ، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير". بينما صاحب المنصب والجاه طغى وتجبَّر"فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ".
وقد أمرنا الله بالتفكر والتدبر والتأمل في أنفسنا وفي مخلوقاته وأن نتدبر في آياته، فهاهم سحرة فرعون عندما رأوا البينة قالوا له "فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِ... " والقصص التي قصها الله علينا في القرآن الكريم تستوجب العبر حتى نتجنب ماوقعت فيه الأمم السابقة وما حلَّ بها من الخسران المبين في الدنيا والآخرة.
ومن الأمثلة في القرآن الكريم في سورة المدثر، قصة الوليد بن المُغيرة، عندما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ بداية سورة غافر وقوله عندما رجع إلى مجلس قومه "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إنَّ له لحلاوة وإنَّ عليه لطلاوة وإنَّ أعلاه لمُثمر وإنَّ أسفله لمُغدق وإنه يعلو وما يعلى عليه" إلا أنه كما قال الله سبحانه وتعالى فيه "كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ".
فالفرد منِّا أعطاه الله بصراً وبصيرة، ليُمعن النظر في هذا الكون ويتأمل ويتدبر فها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، عندما رأى قومه يعبدون الأجرام السماوية من دون الله، حاجهم بالاستدلال على وحدانية الله بالتدرج معهم لإقناعهم بالحجة والبرهان عندما رأى أفول الكوكب والقمر والشمس " قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
إلا إنه في عالمنا اليوم رغم التقدم العلمي والانفتاح الثقافي وسهولة الوصول للمعلومة عبر الفضاء السيبراني والذكاء الاصطناعي والمدنية المتحضرة وفق ما تنقله لنا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وشبكات التواصل الاجتماعي يوجد أفراد ومجموعات تدس السم في العسل بغية الشهرة أو تضليل المجتمع بغواية الناشئة بهرطقات نفسية واجتماعية بعيدة كل البعد عن منطق العقل والدين فالله واحد أحد فرد صمد "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ".
وحسناً فعل شيخنا العلامة الخليلي - حفظه الله وأمده بالصحة والعافية- بإصداره كتاب مصرع الإلحاد ببراهين الإيمان الجزء الثاني، للرد على هؤلاء بالأدلة والبراهين بمنطق العقل والحكمة لعل الله أن يُنير بصيرتهم ويعودوا للحق والصواب.
نسأل الله أن يُنير بصيرتنا للحق ويجعلنا ممن يتبعون القول أحسنه ولا ممن يقولون ما لا يفعلون إنه سميع مجيب الدعاء.