جريمة استغلال أسرار الأوراق المالية السرية

 

عبدالمجيد بن يحيى الراشدي

محامٍ ومُحكِّم

 

العمل في الأسواق المالية يتطلب قدرًا عاليًا من التأهيل والمعرفة لأسرارها والذكاء، ويتطلب كذلك السرعة في اتخاذ القرار والتحليل الدقيق لحركة السوق والثقة والشفافية، ولن يتأتى النجاح فيها ذلك إلا من خلال المُتابعة الدائمة للشركات المدرجة ولكل معلومة صغيرة وكبيرة بشأنها، والمشاريع التي تنفذها والعقود والصفقات التي تبرمها وخططها المستقبلية، إضافة إلى الاطلاع على موازناتها المالية ونشراتها ومواعيد توزيع الأرباح، ولأهمية أسواق المال ودورها في الاقتصاد وجذب الاستثمارات صدرت التشريعات المنظمة لها التي تنظم العلاقة بين البائع والمشتري والوسيط وكذلك علاقتهم بالسوق، وتجريم مخالفتها ووضع العقوبات المناسبة لها.

وكنتيجة لتلك العلاقات تنشأ بعض المخالفات والجرائم والتي منها محور مقالي اليوم جريمة استخدام المعلومات السرية الداخلية في تداول الأوراق المالية. ولا خلاف في صحة وجواز القيام بعمليات تداول الأسهم بيعًا وشراءً، بناءً على معلومات تم جمعها من السوق أو من الشركات المدرجة فيه، لأنه أساسا لا يتخذ القرار إلاّ بناءً على المعلومات والتحليل العلمي لها، ولكن المشكلة تظهر عندما تكون تلك المعلومات قد أتت من الأشخاص المُطلعين عليها بحكم موقعهم الوظيفي أو قربهم من مصدر القرار، ويقومون بإفشائها للغير بصورة مخالفة للقانون وذلك قبل إعلانها للجمهور بقصد تحقيق ربح أو درء خسارة له أو لغيره، وهذا ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين المستثمرين في الحصول على المعلومات المُتعلقة بالأوراق المالية وهو ما يعد تعديًا صريحًا على نظام العدالة، ويؤدي إلى الإثراء على حساب الآخرين ممن ليس لهم اطلاع على تلك المعلومات، أو خسارة آخرين بسبب استغلال الغير لتلك المعلومة المفترض أنها تكون سرية وغير قابلة للتداول، وهذا الأمر يزعزع ثقة المستثمر بسوق الأوراق المالية وعرقلة النمو الاقتصادي، وتلك المعلومة لو أعلن وأفصح عنها سيكون من شأنها التأثير على سعر الورقة المالية، وهنا عدم حصول الشخص الآخر على تلك المعلومات لم يكن عائداً إلى قلة مقدار الجهد المبذول من قبله لمعرفة مدى تأثير هذه المعلومات في أسعار الأسهم، أو قلة خبرته في السوق المالي، وإنما يعود إلى وظيفة ومنصب المطلع أو علاقته بمطلعين على المعلومات الداخلية واستغلالها على النحو المخالف للقانون.

وقد جرمت كافة القوانين والشرائع استغلال أسرار الأوراق المالية السرية حماية للمصلحة العامة في المجتمع، وعدم تعريض سمعة سوق الأوراق المالية (البورصة) للخطر، وفي سلطنة عُمان فإن قانون رأس المال نص في المادة 64 منه على إيقاع عقوبة السجن مع غرامة مالية أو إحداهما، على كل من يثبت قيامه بجريمة استغلال أسرار الأوراق المالية السرية، وشدد القانون العقوبة في المادة (69) بالنص على جواز الحكم بالحرمان من مزاولة المهنة أو بحظر مزاولة النشاط الذي وقعت الجريمة بمناسبته وذلك لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات الوقف عن العمل في السوق أو المنع من تولي وظيفة لها علاقة بعمل السوق أو في الشركات المدرجة فيه، ويكون ذلك وجوبيا في حال العودة.

ولأهمية المعلومة السرية المميزة كما رأينا، فإنَّ هناك ضرورة كبرى لتوفر ميثاق شرف مهني يلزم العاملين في الشركات المساهمة، وكذلك في شركات الخدمات المالية وفي سوق الأوراق المالية أيا كانت مناصبهم ووظائفهم الاطلاع عليه وتوقيعه، يتضمن الميثاق أنه يقع عليهم التزام الأمانة والإخلاص في عملهم، والحرص ألا يضمنوا أحاديثهم مع أي من كان خارج دائرة المطلعين على المعلومة ومع عملائهم، وأن لا تتضمن مراسلاتهم أية معلومات جوهرية سرية والتي من شأنها التأثير على سعر السهم.

تعليق عبر الفيس بوك